جوان فرشخ بجالي آب 2006، انتهت حرب الـ33 يوماً على لبنان، ولم تحقق إسرائيل مرادها، وبقي الجنوب محرراً، ولكن مدمراً. فبدأ العمل السريع لإعادة البناء. بدأت عملية رفع الركام التي تحوّلت بسرعة قصوى إلى عملية تدمير للبيوت القديمة. خلال أسابيع، أنهى المقاولون ما بدأه الإسرائيليون. بجهلهم أهمية الماضي ودوره في بناء هوية الشعوب، قضوا بيدهم على تاريخ قراهم. ولم تتوقف عجلة التدمير عند هذا النطاق، بل توسّعت لتشمل المواقع الأثرية المدفونة تحت الأرض. فالمقابر الرومانية المنحوتة في الصخر تحوّلت إلى حفر صحية! بعد مرور سنتين، بدأ سكان قرى جنوب لبنان يشعرون بأهمية ما خسروه. وراحت الحسرة تدب في قلوبهم. فتدمير التاريخ شبيه بعملية القتل، والأموات لا يعودون إلى الحياة، والمواقع التي تُجرف وتُنهب تزول إلى الأبد.
إنها غزة. مدينة ما يعرف من تاريخها أقل بكثير مما هو مجهول. وإن كان الهدف اليوم إعادة بنائها لتكون جزءاً من دولة مهمة ومن أمة، فلا بد من المحافظة على التاريخ. الدول لا تبنى على أنقاض ماضيها. ويجب ألا ننسى المقولة الشائعة: من ليس له تاريخ لا مستقبل له. وهذا كل ما تعمل عليه إسرائيل. فهي تجنّد علماء آثارها ليلاً ونهاراً للبحث عن صدقية تاريخية لها مأخوذة من العهد القديم. لذا، لو دمّر الفلسطينيّون مواقعهم الأثرية، لتحكّمت إسرائيل وحدها في كتابة وإعادة كتابة وتحوير وتسييس تاريخ المنطقة.
أضحى علم الآثار جزءاً لا يتجزّأ من النضال. ففي أحد الخنادق من يعمل على محو الحضارات، فهل من يردّ في الطرف الآخر؟