غسان الحورانيعاد البيك من مغتربه غير القسري إلى وطن صار قسرياً بالنسبة إليه، في أجواء انقسام وطني عام، واحتدام الخطاب الطائفي وتصاعده، والذي يطغى على ما عداه. كل ذلك في ظل محاولات النخب الشيعية استعادة ذاكرتها وحضورها وتشكيل نفسها في الإطار الوطني والإنقاذي، والتي تعدّدت وتكرّرت... وأخفقت إخفاقاً مريباً.
يأتي البيك ليدخل من هذه الفجوات والانقسامات والإخفاقات نفسها تحت عناوين جديدة على الساحة الشيعية وفي الجنوب خصوصاً.
فتارة يطرح عناوين كبيرة تبدو شبه ملائمة، لكنه ما يلبث أن يغيّرها ويبدّلها لأسبابه. وتارة أخرى يستعير كتاب «نهج البلاغة» من الإمام علي ليجعله مادة إعلانية في حملته الانتخابية.
ولا عجب، فالولد سرّ أبيه الذي سبقه وسبق لينين بإعلانه الحزب الديموقراطي الاشتراكي، بحسب الدارج مع شعارات تلك المرحلة، ليمارس من خلاله أعلى مستويات الديموقراطية المطلقة بشخصه ولشخصه فقط، وليتربّع على عرش إقطاعه ودولة نفوذه فوق الناس والمجلس النيابي ربع قرن تقريباً.
لكنّ الولد غير البار، لم يأتِ في الوقت الضائع تماماً، ولم يمتلك سر اللعبة وقواعدها ولا خطوة الوالد وبعض كبريائه. فلم يستحوذ على قبوله ورضاه حتى كاد يتنكّر لأبوّته، ولم يحصل منه على شرعيه ميراثه البائد الذي لن يتكرر بكل أشكاله ومسمّياته.
فيا أيها البيك، إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه، فلن تجد لك مكاناً داخل الحوزة الشيعية ولا حتى الأسعدية المضمحلة.وإذا ما تغيّر هذا الوضع ـــــ وحتماً هو سيتغير ـــــ نحو التصويب والتغيير الذي لن يأتي من الخلف ولن يعود إلى الوراء، فستكون خارجه تماماً. هذه نصيحة، لن يقدم لك أحد شيئاً بالمجان غيرها.
ستكون خارجه، وخصوصاً بعد ذهابك إلى أميركا لاستجداء زعامتك ودراهم معدودات مع توصيات وتوجيهات المتشيّعين الجدد الذين تخلّوا عنك قبل أن يصيح الديك صيحة واحدة، وحتى قبل الخطوة الأولى، وبعد خطابك الذي لم تثبت فيه من كفاءاتك سوى جرأتك وتطاولك المنفّرين وغير اللائقين بالزعامة والسياسة على حدٍ سواء. كانت تلك هي المحاولة التي وأدتها وتلك هي الكلمة التي أضعتها وأفرغتها من أي مضمون، ولم يعد معك سوى المال وبعض المصطفّين على عتبات حاجاتهم، وهم على أصالتهم وعنفوانهم لم يتبدّلوا بعد، ولن يشوّهوا ويبدّلوا وجه الجنوب وتاريخه، والذي ما كان ولن يكون مستباحاً ومطية لذوي المآرب الخاصة وغير الخاصة.
وحبّ الناس ووفاؤهم وتعلّقهم بهذا التراث (الأسعدي الوائلي الأصيل) لن يجعل من سيوفهم لمصلحتك، لكنها مع هذا المال وفي هذا الأداء، فإن قلوبهم وسيوفهم ستكون عليك.
وداعاً يا أحمد بيك