أفاديس باتشانيانفي منتصف شباط من كل عام، تصادف ذكرى الشهيد القديس وارطان. قلّة من غير الأرمن يعرفون من هو القديس وارطان، وماذا يمثل في طائفته وكيف وصل إلى رتبة القداسة. القديس وارطان واسمه الأصلي وارطان ماميكونيان، هو حفيد الكاثوليكوس الجثليق إسحاق، وهو يعدّ بحق شهيداً في سبيل الله. قاتل واستشهد انتصاراً لدينه وللرسالة المسيحية المقدّسة التي اعتنقها ضد عبادة الأوثان. لم يقاتل لمغنم يغنمه ولا لأرض يحتلها ولا لاستعباد شعب آخر أو ليكرس نفسه إمبراطوراً.
قاتل ملك الفرس الساسان يزدجرد الثالث الذي كان يعتنق الديانة المازادية، فقد طلب هذا الملك من الأرمن الرجوع عن إيمانهم بالله من خلال الدين المسيحي واتّباع ديانته الوثنية. رفض الأرمن ذلك الطلب، فوجّه الملك جيوشه إلى أرمينيا لإخضاعها بالقوة وفرض ديانته على أهلها. وكان الأرمن من أوائل المؤمنين بالرسالة المسيحية المقدسة، فلم يتراجعوا ولم يرهبهم زحف الجيش، فكان أن عقدوا لواء القيادة للقائد الشاب وارطان ماميكونيان الذي تصدّى مع حفنة من رفاقه الأبرار للجيش الوثني المهاجم.
ورغم تفاوت العدة والعدد، تمكّن أولئك المحاربون الشجعان بالإيمان الراسخ والعزيمة الصادقة من وقف الزحف، وإحراز بعض الانتصارات على الجيش المهاجم.
بقي الملك يزدجرد مصراً على إخضاع أرمينيا وفرض ديانته على أهلها، واستمر يمدّ جيوشه بالعديد والعدّة، فوقعت بين الفريقين معركة هائلة في سهل أفاراير في أيار عام 451. أبلى المقاتلون الأرمن بقيادة القائد وارطان بلاءً حسناً في هذه المعركة وكبّدوا الجيش المعتدي خسائر فادحة، وبذلوا فيها، يتقدمهم القائد وارطان، كل ما يمكن بذله من تضحيات، لكن التفاوت الكبير في العدد والعدة بين المقاتلين الأرمن وعدوهم، جعل الكفة تميل لمصلحة الأخير، وأسهم في ذلك انسحاب إحدى الفرق الأرمنية المقاتلة، استجابة لطلب قائدها الأرمني المرتدّ إلى الوثنية المدعو واساك سوني. لم يفتّ ذلك في عضد أولئك النخبة من المجاهدين واستمروا في القتال دفاعاً عن دينهم وانتصاراً لعقيدتهم وللرسالة السماوية التي بها يؤمنون، حتى كان لهم شرف الشهادة مع قائدهم وارطان الذي نال بحق رتبة القداسة، كما أنه وإياهم بحق شهداء في سبيل الله.
مار وارطان، في ذكراك، نرفع قبعاتنا تحية لك ولرفاقك وإجلالاً لمقامكم، نقول لك إننا على خطاك سائرون. لم ولن يردعنا أحد على التنازل والإحباط والإكراه، وسنبقى الشعب العنيد الواقف في وجه الحاقدين والغيورين.
في هذة الذكرى نقول للرئيس أمين الجميل، بأنه لفخر لنا أن نمثّل في يومنا هذا، ثقلاً سياسياً هاماً على الساحة اللبنانية، وقد أثبتت الانتخابات الفرعية الأخيرة في المتن الشمالي هذه الحقيقة، كما ستثبت الأيام المقبلة أننا سنكون المحور الأساسي لحسم المعارك في المتن وبيروت وزحلة. ونقول له أيضاً إذا كان الشعب اللبناني الأصيل، يمثّل لوحة فنية متكاملة، فإن أرمن لبنان يمثّلون جزءاً لا ينفصل من هذه اللوحة. فمن الطبيعي إذن أن تنعكس مشاكل لبنان السياسية والاجتماعية على أرمن لبنان، بكل كدرها وثقلها، لأن الشعبين تعايشا، يتغذيان من نور شمس واحدة. لهذا السبب أصبحت الأزمة اللبنانية، لا تخص اللبنانيين وحدهم، بل تخص الأرمن أيضاً.
نحن نؤمن بما قاله الشاعر اللبناني ــ الأرمني ميناس بابازيان:
أهلنا أحفادنا أموات أتوا أرض أحرار بلبنان الأبي
ها هنا عاشوا حياةً حرّة تحت ظلّ الأرز أرز الكتب
علّموني أن أداري أرزتي كي تعلّى فوق كل الشهب
عشت يا لبنان يا مجلا السن أيا هوى قلبي ولحني المطرب
أنت من أنسيت شعبي حزنه حزن أيام الأسى والكرب
في حزيران المقبل، نحن الأرمن بجميع أطيافنا وأحزابنا على رأسهم حزب «الطاشناق» الذي يعدّ من الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها الأرمن في حياتهم السياسية والاجتماعية، على موعد جديد مع المصير، وسنتمكن مرة أخرى من الانتصار في وجه الأحقاد والهيمنة والعنصرية.