فايز فارسنقولها بأسف إنّه لا مكان للوسطيّة أو لتيّار الوسط في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، أقلّه في الوقت الراهن، وذلك للأسباب الآتية:
لأنّ الثقافة السياسية علماً وسلوكيات غير متوافرة في بيئة اجتماعية سياسيّة نمت وتطوّرت وارتكزت على المصالح الشخصية والعشائرية الطائفية والمذهبية منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا، والتي بطبيعة الحال، تدفع بالزعامات وأتباعهم إلى التطرّف بكل أشكاله المعروفة والمشرّعة. فالمواطنية اللبنانية ما زالت ترزح تحت أثقال الانتماءات الطائفية والمذهبية والمناطقية في مجتمع يفترض به أن يكون مدنياً.
ولأن النزعة إلى الوسطية قد تطوّر مفهومها وأصبحت تمثّل، في معظم المجتمعات الديموقراطية، أحد مكوّنات الأحزاب القائمة. لذلك، نرى على سبيل المثال لا الحصر، «وسطيّين» أي «معتدلين» داخل تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ وحزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والجماعة الإسلامية.. وهم ليسوا بحاجة إلى تسميتهم لأن الجميع يعرفونهم ويتأثرون بأقوالهم وأفعالهم.
ولأن الشرط الأول والأساس لقيام تيار سياسي وسطي، هو في اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة موحّدة. لأن الوسطيّين يبقون غير قادرين، حتى في قضاء جبيل، على انتخاب مرشح وسطيّ حقيقيّ وتأمين نجاحه، من دون أن يتحالف هذا الوسطيّ مع هذا التيار أو ذلك الحزب، أي إنه سيبقى «مديوناً» إلى هذا الطرف أو ذاك، الذي لولا دعمه لما فاز بكرسي النيابة.
لهذه الأسباب، ندعو جميع الطامحين المتحمسين، وهذا حقّهم، إلى الجلوس تحت قبة البرلمان والدفاع عن مصالح هذ الشعب المتعطش أولاً إلى عدالة ومساواة ومن ثم إلى الحرية والسيادة والاستقلال... وأن يسموا أنفسهم «مستقلّين» بدلاً من «وسطيّين». لأن المستقل في السياسة هو مواطن يريد، عبر انخراطه في العمل السياسي، وممارسة حقّه في الترشح والانتخاب، التعبير أولاً عن اختلافه، أقله في الأسلوب، مع الأطراف الأخرى المهيمنة على الساحة بشكل «اعتباطي» حيناً وغير مقبول حيناً آخر.
فالمرشح المستقل لا يختلف مع الآخرين في المسائل الجوهرية والقضايا العليا، بل في كيفيّة معالجتها وإدارة دفّة الحكم، وخاصة عندما يكون أحد الأطراف الطاغية قد أمضى في الحكم فترة طويلة، حيث أخفق هنا أو فشل هناك. لذا نرى بعض المستقلين وقد حزموا أمرهم لدعم طرفٍ أكثري ما، يسعى بدوره إلى الاحتفاظ بالسلطة، وذلك من دون الانضواء تحت رايته التي سبق لها أن تعرضت لانتكاسات، أو الالتزام بخط سياسي معارض بالغ في تصدّيه لإجراءات حكوميّة خاطئة، شرط أن يقدم لهم هذا الطرف الدعم المطلوب. فمن النادر أن ترى مرشحاً مستقلاً يملك أكثر من نصف عدد الأصوات اللازمة لتأمين فوزه.
إنّ معظم المرشحين المستقلين، لن يبقوا مستقلين أو وسطيين عندما تتألّف الحكومة الجديدة بعد انتخاب أعضاء المجلس النيابي الجديد. كما لا يخفى على أحد أن استعانة الأحزاب الكبرى ببعض المرشحين المستقلّين، تحصل على أساس قدرات هؤلاء على جذب المترددين واللامبالين و«القرفانين»، وخاصة بعض الناخبين المحسوبين على الخصوم.
في الوقت الحاضر، واستناداً إلى المعطى الدستوري والأساليب السائدة والمهيمنة على الحياة السياسيّة اللبنانيّة، نستطيع القول آسفين إنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان هو الوحيد القادر والمسموح له أن يكون وسطياً ومستقلاً؛ ذلك لأنه في الأساس مارس الوسطيّة الحقيقيّة، وتمكّن من الاحتفاظ باستقلالية نسبية يوم كان قائداً لجيشنا الوطني. كما أنه لا يجوز لنا أن ننسى وسطيّة الرئيس نبيه برّي ووسطية السيّدة البهيّة وشريكها الأستاذ بهيج طبارة في أحلك الظروف، ووسطيّة الرئيس عصام فارس واستقلالية الرئيسين حسين الحسيني ونجيب ميقاتي وغيرهم من الذين تحملوا الكثير من الضغوط وتعرّضوا لبعض الاتهامات الجوفاء والابتزاز الرخيص.