تكتب بالإنكليزية قصص حب عاصفة، يتداخل فيها زمن الاستعمار البريطاني وزمن استشراق معاصر يصبغ العلاقات الإنسانية بسوء فهم دائم... وفي السنوات الأخيرة، انشغلت الروائية المصرية بالدفاع عن القضيّة الفلسطينية في الإعلام الغربي

دينا حشمت
عندما قابلتها في شقّتها في الزمالك، كانت قد عادت من رفح منذ يومين. أرادت أن تدخل غزّة، لكنها لم تنجح «في الحصول على الوثائق المطلوبة»، فبقيت على الحدود تراقب ما يحدث، تزور المستشفيات، تتحدّث إلى الأطباء المصريين ومرافقي المرضى الفلسطينيين. من هناك كتبت مقالتها الأخيرة في جريدة الـ«غارديان» البريطانية، بعنوان «يقول الفلسطينيون: هذه حرب إبادة». كتبت ما حكاه أهل رفح المصرية، عن أنّهم لم يشهدوا شيئاً مثل هذا من قبل. لم يسمعوا قصفاً بمثل هذا العنف، ولم يروا إصابات بمثل هذه الغرابة.
وهي تحكي عن سيارات إسعاف غزة، نسمع صفّارة سيارة إسعاف أخرى على «كوبري 15 مايو» القريب. صفّارة تشقّ هدوء البيت القديم الفسيح الذي يبدو كأنه ينتمي إلى زمن آخر، زمن لقاءات آسيا بطلة روايتها «في عين الشمس»، بحبيبها في حديقة «عمر الخيام» البرية نسبياً آنذاك، قبل أن تتحوّل إلى مقهى فندق «الماريوت»، وقبل أن تقسّم الكباري الزمالك إلى نصفين.
كانت هذه الحديقة على بعد دقائق من البيت، بيت عالم النفس مصطفى سويف وأستاذة الأدب الإنكليزي فاطمة موسى الذي ترعرعت فيه أهداف. اليوم تجلس في مطبخه، تدخّن بشراهة وتحكي عن نفسها بتلقائية مَن يحبّ الناس، وخبرة من يعلم أنّ للعبة الإعلامية قواعدها العمياء أحياناً. انتقلت العائلة إلى هذه الشقة بعد عودة فاطمة موسى من رحلة الدكتوراه في إنكلترا. تحب أهداف أن تروي كيف تضافرت خيوط مسيرتها مع مسيرة أمها، مترجمة شكسبير. كيف وجدت نفسها جالسة إلى جانبها تتصفّح نسخة «ألف ليلة وليلة» الإنكليزية، وهي في السادسة من عمرها. كيف كانت مكتبة الأم مرجعها في الأدب العربي الحديث. كيف «ذهلت» عندما قرأت قصتها «زمار الرمل» منقولةً إلى العربية بقلم فاطمة موسى، فتعاونا في ما بعد لترجمة «خارطة الحب».
كان من الطبيعي إذاً أن تدخل أهداف قسم الأداب الإنكليزي في جامعة القاهرة. أتمّت دراستها الأكاديمية على الوجه المتوقع منها، وسافرت إلى جامعة «لانكاستر» في منحة دكتوراه لدراسة «التحليل السميائي للصور الأدبية في الشعر الإنكليزي من 1550 إلى 1950».
لم تبدأ الكتابة الروائية إلا بعدما شعرت بأنها أدّت الواجب الأكاديمي. نشرت مجموعتها القصصية الأولى «عائشة» بالإنكليزية. «لم أكن أتوقّع أنني سأكتب بالإنكليزية. لكنّي اكتشفت أنّ لغتي العربية لا تصلح للأدب»، وتضيف «لا أحسّ أني عدت إلى بيتي إلا عندما أعود إلى مصر، إلا أنّ الإنكليزية هي بيتي اللغوي».
لم تترجم روايتها الملحميّة الأولى «في عين الشمس» (1992) إلى العربية حتى الآن. قيل إنّ ما فيها من «كلام صريح» عن الجنس قد يجعل نشرها مستحيلًا في مصر. نص طويل ــــــ ما يقارب 800 صفحة ـــــ يجرفك إلى عالم الراوية، آسيا العلماء، في قاهرة أواخر الستينيات، ثم إلى إنكلترا حيث تكمل دراستها. تجسّد شخصيات الرواية مصير بلد بأكمله، من زوج أخت آسيا المعتقل الشيوعي، إلى صديقاتها الأرستقراطيات، مروراً بأساتذة جامعة القاهرة العاشقين لمهنتهم.
لم تمتنع أهداف سويف عن الكتابة بصدق وحرية عما يعتبر «تابوهات»، على الرغم من أنّ هذا قد يجعلها تُصنّف في خانة «الكاتبات العربيات كاسرات التابوهات» التي يحبّها الإعلام الغربي. لكنها تتصرّف تصرّف مَن قرأ «الاستشراق» مليّاً من دون أن يجعل من أطروحاته شعارات جوفاء. تقول إنّها تفعل مثل مؤلفه، صديقها إدوارد سعيد: «عندما كان يكتب في الخارج، كان يتحدّث عن مثالبهم. في العالم العربي، كان يتحدّث عن مثالبنا». ترى أنّ في الغرب «اتجاهاً لأخذ أي تفصيلة سلبية من ثقافتنا واستعمالها لإدانة هذه الثقافة كلها»؛ ما يجعلها «حريصة جدّاً» على اختيار ما تقوله للإعلام الغربي. تنفعل في ندوة خلال معرض الكتاب في القاهرة عندما تروي أنّها رفضت المشاركة في حلقة نقاش لندنية عن «الأدب والإرهاب»، وأن أحد أصدقاء زوجها الشاعر إيان هاملتون مازحه يوماً على زواجه من «امرأة مسلمة».
تتحدّى روايتها «خريطة الحب» كليشيهات أدب الرحالة عن الفترة الكولونيالية: بطلتها آنا وينتربورن الإنكليزية تسافر إلى مصر في القرن التاسع عشر وتقع في غرام شريف البارودي، المناضل الوطني ضد الاستعمار، فيتزوجان على رغم انتقادات معارف الفتاة الإنكليز.
اختيرت الرواية في قائمة الـ«بوكر» القصيرة سنة 1999. وعرفت أهداف كيف تدير النجاح. عرضت عليها جريدة «الغارديان» البريطانية تخصيص عمود لها سنة 2000، فوافقت وقرّرت أن تكتب عن القضية الفلسطينية، «أهم حاجة في الدنيا»، وجمعت هذه المقالات بعنوان «في مواجهة المدافع» (2005). ترجمت إلى الإنكليزية «رأيت رام الله» للشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، ونظّمت سنة 2008 مؤتمراً أدبياً جمع عدداً من الكتّاب الإنكليز في رحلة إلى رام الله.
لم يترك لها هذا النشاط الوقت الكافي لتتفرّغ للكتابة الإبداعية، وإن كانت فكرة روايتها الثالثة «حاضرة في ذهنها». «تدور في زمنين. الزمن المعاصر، وزمن ما قبل 4000 سنة، في بداية ما أصبح الدولة الوسطى». ليست «مرتاحة لطريقة التعامل مع التراث المصري القديم»، فالتركيز على المومياءات صوّر هذه الحضارة كما لو كانت حضارة موت فقط.
في انتظار لحظة صفاء لكتابة الرواية، تستمر في حياتها اللندنية، مع ابنيها عمر ـــــ روبير وإسماعيل ـــــ ريشار. وتستعد للعودة إلى فلسطين لإقامة دورة مؤتمر الأدب الثانية. كان من المفترض تنظيمه في غزة. لم يعد ذلك مؤكداً إلا أنّها لم تفقد الأمل، فـ«حياة أهل غزة انتصار للإنسانية».


5 تواريخ

1950
الولادة في القاهرة

1983
صدرت «عائشة» مجموعتها القصصية الأولى بالإنكليزيّة

1996
نالت جائزة «معرض القاهرة الدولي للكتاب» عن أفضل مجموعة قصصية

1999
«خريطة الحب» روايتها الثانية، وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر»

2009
نشرت في صحيفة الـ«غارديان» البريطانية مقالاً بعنوان «يقول الفلسطينيون: هذه حرب إبادة»