نظمت منظمة اليونسكو ورشة عمل في بيروت لحثّ لبنان على توقيع بروتوكول 1999 لاتفاقية لاهاي لحماية التراث في حال النزاع المسلح
خالد سليمان
أعلنت منظمة اليونسكو سنة 1954 «اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح»، وطلبت من الدول التوقيع عليها للتخفيف من أضرار الحرب على تراث الشعوب. سنة 1960، وقع لبنان الاتفاقية، لكن ذلك لم يحمِ مواقعه الأثرية من الاعتداءات الإسرائيلية، سواءٌ في أثناء اجتياح عام 1982 أو في أثناء عدوان تموز 2006، مع العلم بأن إسرائيل أيضاً وقّعت الاتفاقية. فالطائرات الإسرائيلية أغارت على قلعة شمع ومستشفى الخيام العسكري، ودمرت المدفعية وسط مدينة بنت جبيل التاريخية والعديد من الأحياء السكنية التاريخية في قرى الجنوب.
نظم في الأسبوع الماضي مكتب منظمة اليونسكو ورشة عمل في بيروت لحثّ لبنان على الانضمام إلى البروتوكول الإضافي الثاني للاتفاقية لعام 1999. لكن، هل يحمي البروتوكول ما عجزت الاتفاقية عن حمايته منذ نصف قرن؟ كان هذا محور التشاورات والمداخلات في «وضع موضع التنفيذ اتفاقية لاهاي لعام 1954 بخصوص حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح والبروتوكولين الملحقين بها (1954و1999)». ودامت الندوة ثلاثة أيام بمشاركة ممثلين عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي ومنظمة الأونسكو واليونيفيل والجيش اللبناني والمديرية العامة للآثار ووزارتي العدل والخارجية ومديرية الجمارك ونقابة المحامين في الشمال وخبراء قانونيين.



شهدت الورشة نقاشات مهمة بعدما توزّع المشاركون على مجموعات عمل تشريعية وإدارية وعسكرية. وفيما طالب بعض المشاركين السلطات اللبنانية المختصة بإطلاق عملية الانضمام الى البروتوكول الثاني لعام 1999، بقي القسم الآخر متردداً بهذا الشأن. فالمدير العام للآثار فريديريك الحسيني تناول في مداخلته التدابير المتخذة على الصعيد الإداري، في ما يتعلق بالتنسيق بين مختلف السلطات المعنية، وقال: «إن تطبيق اتفاقية لاهاي في حال الحرب صعب، فالواقع على الأرض غير ما هو مكتوب في القانون. وأعطى الحسيني أمثلة على صعوبة العمل والتقيد بالاتفاقية، مؤكداً أن وجود الجيش اللبناني داخل بعض المواقع الأثرية، مثال قلعتي طرابلس والشقيف، وعلى بعد أمتار من هياكل بعلبك، كاد أن يعرضها للقصف في حرب تموز 2006، وخاصة أن أهم شروط الاتفاقية تنص على إخلاء المواقع من أي وجود مسلّح فيها.
وأكد الحسيني أن ما قامت به إحدى القنوات الفضائية خلال حرب تموز من بث فضائي من داخل قلعة طربلس عرّضها للخطر. مَن يحمينا من اعتداءات إسرائيل التي لا تحترم أية اتفاقية دولية؟».
وهذا ما حثّ المشاركين (من خلال توصيات المؤتمر) على المطالبة بإنشاء وحدة تنسيق وطنية تضم عدداً من الوزارات، والقوى الأمنية والجيش اللبناني تملك سلطة القرار والتنفيذ لحماية الممتلكات الثقافية في حال الطوارئ. وكان لمداخلة رئيس الجمعية النمساوية لحماية الممتلكات الثقافية، فرانز تشللر، وقع، إذ تحدث عن موجبات القوى المسلحة في السلم والنزاع المسلح. وارتكز في مداخلته على الأحكام المنصوص عليها والخاصة باحترام الممتلكات الثقافية من خلال إدارة الأعمال الحربية والتعليمات التي تعطى للعسكريين في هذا المجال. فاقترح إنشاء وحدة خاصة من القوى المسلحة تُكلَّف السهر على احترام الممتلكات الثقافية في زمن السلم والحرب، عارضاً تجربته ضابطاً في الجيش النمساوي مكلفاً حماية الممتلكات الثقافية.
وكان لممثل منظمة اليونسكو، يان هلاديك، مداخلات عدة، موضحاً بعض استفسارات الحاضرين ومتحدثاً عن الدور والنشاطات التي تقوم بها المنظمة الدولية لحماية الممتلكات الثقافية في العراق وفلسطين المحتلة، وداحضاً الانتقادات الموجهة إلى اليونسكو من جانب بعض المشاركين لجهة التمويل الذي تقدمه للدولة اللبنانية.
أما المستشار القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في القاهرة خالد غازي فتحدث عن إلزامية فرض العقوبات على جميع انتهاكات أحكام اتفاقية لاهاي، ودعا إلى التوقيع على بروتوكالات الاتفاقية، لكونها تنص على نظام جديد للعقوبات الجزائية.
هنا حصل إنقسام، فبعض المشاركين رأوا أنه لا فائدة من الانضمام إلى البروتوكول الثاني، لأنّ الاتفاقية «هي مجرد منتج للتسويق لا يمكن أن يحمي الممتلكات الثقافية. فلبنان وقع على الاتفاقية سنة1960، وهذا لم يمنع إسرائيل من نهب التراث اللبناني وتدميره. ولا أحد يستطيع أن يحاسبها». وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كان في الإمكان بعد حرب تموز إدانة إسرائيل بجرائم بحقّ التاريخ والممتلكات الثقافية. ولبنان قادر على توثيق الخسائر التي طالت هذا القطاع وعلى رفع القضية أمام المحكمة الدولية، وخاصة أن إسرائيل وقعت اتفاقية لاهاي. لكن، لم يحدث ذلك ولم تتحمل الدولة تلك المسؤولية، مع العلم بأن الاتفاقية مصوغة لاستعمالها خلال النزاع وبعده للمطالبة الحقوق.