يزور اليوم وفد فرنسي برئاسة المنسّقة العلمية لبرنامج سيدر (CEDRE) للبحث العلمي في فرنسا ميشيل لو دوك مجمع الحدث للاطلاع على مختبرات الجامعة اللبنانية وتفعيل التنسيق بين الباحثين اللبنانيين والفرنسيين
فاتن الحاج
أرسى برنامج سيدر (CEDRE) اللبناني الفرنسي، منذ عام 1997، قواعد البحث العلمي على سكة الأمان، لكنّ القطار لم يسر بالحجم الذي يتمناه الباحث اللبناني على الأقل، كما لم يتولد حتى اليوم، اقتناع لدى الدولة اللبنانية بالحاجة إلى مساندة هذا القطاع.
ومع أنّ بروتوكول التعاون ينص على تمويل الأبحاث مناصفة بين الحكومتين اللبنانية والفرنسية، غالباً ما يتأخر الجانب اللبناني في صرف الأموال، فيسدّ الجانب الفرنسي العجز، على حد تعبير المنسّقة العلمية للبرنامج في لبنان الدكتورة برناديت أبي صالح. وفيما يُقرّ البرنامج بأنّه لا يوفّر المعدات الثقيلة وتجهيز المختبرات، لكون الميزانية السنوية مخصصة للنفقات التشغيلية، يبقى التمويل غير كاف، إذ لم يتجاوز دعم 155بحثاً أربعة ملايين و566 ألفاً و975 يورو، خلال 11 سنة من عمر البرنامج. لكن، نقد التجربة يبقى في الإطار الشخصي، في ظل غياب سياسة بحثية عامة. ومع أنّ معايير الشراكة تخرقها «اللبننة»، أي مراعاة التوازنات الطائفية، فإن البرنامج لا يتحمّل التهمة، كما يقول الباحث والأستاذ في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية الدكتور رفيق يونس، لكونه عبارة عن جهد وفّر للباحث اللبناني حيوية علمية «جعلتنا نتعايش مع الآخر، ونقلت البحث من النشاط الفردي إلى اختبار المجموعات البحثية». غير أنّ ما ينقص الباحث اللبناني، حسب يونس، هو الرؤية لجدوى البحث العلمي في لبنان، وخصوصاً «أنّ هذه الشراكة تجعل البحث جزءاً من نشاط الفرنسيين لا من نشاطنا، وهنا نشعر بأننا ننتمي إليهم». ويستبعد يونس أن يكون هناك بحث علمي بمنأى عن الخارج، على الأقل في المدى المنظور. وفي مقارنة يجريها مسؤول المختبر البحثي لعلوم المواد والكيمياء الفيزيائية في الجامعة اللبنانية الدكتور تيسير حميّة، يتبيّن أنّ قيمة ما يمكن منحه لطالب دكتوراه من مشروع بحث واحد بموجب برنامج سيدر، لا يتجاوز 2000 يورو سنوياً، فيما ينال طالب الدكتوراه في فرنسا خارج إطار البرنامج أكثر من 1500 يورو شهرياً. ومع ذلك، يؤكد حميّة أنّ البرنامج أخرج البحث العلمي من عقاله في مختلف الجامعات اللبنانية التي كانت الأبحاث فيها في حالة تعثّر، وساعد الكثير من الباحثين اللبنانيين على الاستعانة بالمختبرات الفرنسية لإجراء أبحاثهم أو قسم منها في فرنسا والقسم الآخر في لبنان، ما أسهم في تدعيم ثقافة الأستاذ الباحث ومأسسة التعاون بين مؤسسات رسمية لبنانية وفرنسية.
وكان البرنامج قد انطلق بموجب اتفاق بين الحكومتين اللبنانية والفرنسية من أجل تقويم البحث العلمي، وتعزيز التعاون بين جامعات البلدين والتكوين البحثي في مناخ انفتاحي دولي. يدعم البرنامج إقامة الباحثين اللبنانيين في فرنسا مدة أسبوعين أو شهراً في السنة، من أجل الحوار مع أعضاء الفريق الفرنسي في شأن النتائج العلميّة التي توصلوا إليها. كذلك يقدم مساعدات لوجستية، شرط أن لا يتجاوز شراء المعدات مليوني ليرة لبنانية.
وتتابع لجنة مشتركة الأبحاث المقدّمة، فتعقد اجتماعاً في تشرين الأول من كل عام لتنسيق العمل. وهنا يستغرب الباحثون اللبنانيون آليّة تحكيم المشاريع، إذ إن الأسماء تبقى ظاهرة للمحكّمين ما يعرّض المشروع المقوّم لخطر عدم القبول! غير أنّ عضو اللجنة، المدير العام للتعليم العالي الدكتور أحمد الجمّال يشير إلى أنّ أربعة خبراء (خبيرين لبنانيين وآخرين فرنسيين) يدرسون الملفّات ويقدمون أربعة تقارير للملف الأكاديمي الواحد، «ولا نعطي أسماء الخبراء للباحثين أو مقدّمي الطلبات، تجنّباً لأي وساطة قد تحصل». لكن الجمّال يوضح أنّ عدم اختيار بعض الأبحاث يعود إلى التمويل المحدود، «فلا يمكننا تبنّي أكثر من 15 مشروعاً في السنة». أما المجالات البحثية التي يغطيها البرنامج فهي العلوم الإنسانية والصحية والبيئية والتكنولوجيا والمعلوماتية. وما يعترف به الجمال هو أنّ الدولة اللبنانية لم تقوّم البرنامج حتى الآن، فيما أجرى الفرنسيون ذلك عبر وزارة الخارجية، بعد مرور 10 سنوات على انطلاقته. وفيما خيّب البرنامج آمال الكثيرين من الباحثين الذين لم تدعم أبحاثهم، فقد كانت للبعض تجارب مشجعة، إذ حظي عدد من الباحثين بدعم لمشروعين أو أكثر. وفي هذا الإطار، حازت مديرة مختبر التسمم في الجامعة اليسوعية الدكتورة حياة عازوري مشروعين اثنين بالشراكة مع الفرنسيين، ما سمح لها بتأسيس مختبر «toxicologie» في الجامعة. وتلفت عازوري إلى أنها قدمت مشروعاً ثالثاً للبرنامج لكنّه رُفض، «وقد يكون نقص الأموال حال دون قبوله»، كما تقول.
كذلك أنجزت لارا نصر الدين أطروحة الدكتوراه في «Université de Bretagne» في فرنسا، عبر مشروع سيدر، بالتعاون مع كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت. توضح نصر الدين: «المبلغ الذي يمنحه البرنامج لطالب الدكتوراه غير كاف، لكنه يحلّ جزءاﹰ من المشكلة الماليّة، فيوفّر لنا سفرتين أو ثلاث في السنة إلى فرنسا، حيث نجري قسماً من الأبحاث، فيما ننجز القسم الآخر في لبنان».
يبقى أنّ الجهود التي يقوم بها بعض الأساتذة اللبنانيين عبر علاقاتهم مع مراكز الأبحاث الفرنسيّة تسهم في دعم الباحثين وطلاب الدكتوراه. لكن الباحث اللبناني يتطلّع إلى ألا يبقى أسيراً للجانب الفرنسي في استكمال أبحاثه العلمية.


مطلوب إعادة النظر في التمويل

رأست أمس وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري اجتماع اللجنة اللبنانية الفرنسية لبرنامج «سيدر» للبحث العلمي. وقوّم المجتمعون التجربة التي بدأت منذ 12 عاماً. وقد أبدت الحريري رغبتها في توسيع المشروع ليطال اتجاهات جديدة، داعية إلى تحفيز الباحثين الشباب للمشاركة في أبحاث مجدية. لكنّ الباحثين اللبنانيين ينتظرون إعادة النظر في الموازنة التي تخصصها الحكومتان اللبنانية والفرنسية للبرنامج.