سمية عليرسمت في رأسي صورة غريبة. أنت، كقارورة زجاجية شفافة، أرى في داخلها بقايا كلمات وأفكار تلعب وتتشابك فيما بينها. أحدّث أصابعي وأطلب منها أن تقترب وتحطم تلك الزجاجة، لعلّ ما في داخلها يقع أرضاً ويسحق تحت أقدام المشاة. لكن تلك الأصابع تبقى مكانها. تأبى إطاعة الأوامر، وتنحني برفق لتلامس تلك الزجاجة، فتجد أنها تلامس فراغاً هائلاً، وهماً كبيراً لا وجود له. تعود الأصابع إلى مكانها. ألتفتّ لأجدك، تسير مثلي مع باقي الكائنات، لكن تحوم فوق رأسك ذبابة وتصدر أزيزاً مزعجاً. أردت إقفال أذنيّ كي لا أسمع ذلك الأزيز، لكنّ يديّ كعادتهما تخالفان الأوامر. ثم فقدتك بين الحشد، فشعرت بحاجة إلى البكاء كطفلة سلبها أحدهم لوح شوكولاته. سرتُ مع الحشد، مع أني أكره التجمعات وأفضّل الجلوس في مكان أرى منه الجميع. كحلم يراودني منذ كنت طفلة، أرى نفسي فيه أجلس على كرسي فوق غيمة وأرمي من تحتي برقائق البطاطا! ابتسمت لذلك الحلم القديم، والتفتّ لأراك تسير بقربي من جديد. رمقتني بصمت بنظرة من يرى الآخر لأوّل مرة، لكنّ أزيز الذبابة التي تحوم فوق رأسك جعلني أركض مبتعدة عنك وعن ذلك الحشد الغبي.
وقفت على أنقاض مخاوفي، سذاجتي، وبقايا ذكريات لطالما نادتني، لكني صرخت بها فصمتت. وقفت على تلك الأنقاض، فبتّ طويلة القامة، وبات ذلك الحشد وأنت في وسطه مع تلك الذبابة المزعجة تحت ناظري. شيء شبيه بحلم قديم كان يراودني أيام الطفولة!