محمّد زبيبلا تنطبق شروط «الرؤية» أو «الخطّة» أو «البرنامج» أو حتى «لائحة الإجراءات» على «الورقة» التي رفعها الرئيس فؤاد السنيورة إلى مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها بهدف مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على لبنان... بل تقتضي الأمانة التوضيح أن هذه الورقة لا تدّعي لنفسها أياً من هذه «الأوصاف». فهي، كما ورد في مقدّمتها، لا تمثّل «رؤية اقتصادية متكاملة لمعالجة كل مشكلات لبنان الاقتصادية»، وهي «ليست بديلاً من برنامج باريس ـــــ 3»، بل «مجرد طرح لخطوات محددة واستباقية ستعمل هذه الحكومة على اعتمادها وتنفيذها في عامي 2009 و2010 بغية تحصين الاقتصاد».
هكذا تصف الورقة نفسها، وبالتالي، فهي تضع سقفاً منخفضاً جدّاً لما تقترحه من «خطوات»، أو بعبارة أخرى، تتخذ من هذه الصفة ذريعة لكي لا تقترح شيئاً ذا قيمة أو أثر فعلي يمكن أن يغيّر في اتجاه الأوضاع المحلية. فما كان قائماً منذ فترة طويلة تعتبره الورقة بمثابة «معجزة» يجب أن تتأمّن ظروف استمراره، وما كان صالحاً قبل الأزمة لا يزال صالحاً بعدها، «رغم انقلاب ظهر المجن وتغير الأحوال»، بحسب تعبير الورقة وإقرارها بأن الأزمة الحالية هي «من أشد الأزمات التي شهدها العالم وأخطرها منذ الركود العالمي الكبير في عام 1929».
إلا أنّ مسألة «الوصف» ودلالاته ليست هي المشكلة الوحيدة في هذه الورقة «الضئيلة»، فمشكلتها الأكبر تكمن في وجود التناقض الشاسع في نصّها، وهو تناقض يوحي كما لو أن هناك كتبة عديدين لها (علماً بأن كاتبها واحد يستشعر بوطأة الأزمة، إلا أنه يثق بقوّة المعجزة اللبنانية)، فالفصل الأوّل الذي يحمل عنوان «احتمالات تداعيات الأزمة المالية العالمية على لبنان» يمكن أن يصيب القارئ بالهلع، لما يحتويه من توقّعات عن انخفاض نسبة التحويلات وعودة العاملين اللبنانيين في الخارج وتقلّص فرص العمل في الداخل وانخفاض الاستثمارات والانكماش في التجارة وخسارة المستثمرين اللبنانيين في الخارج واحتمال مخاطرة المصارف اللبنانية في الخارج بحثاً عن عائدات أكثر ارتفاعاً وارتفاع معدلات الفوائد... كل هذه التداعيات لا تنعكس في الفصل الثاني الذي حمل عنوان «الخطوات المقترحة للمعالجة»، فالمطلوب فقط أن تواصل الحكومة ما كانت تقوم به بالأصل!