بعدما بقي عالم السيارات يراوح خارج نطاق الثورة التي يشهدها عالم المعلوماتية على مستوى التحميل والتحديث التلقائي للبرامج الإلكترونية، يبدو أن عدداً من المصنّعين عقدوا العزم وباتوا قاب قوسين أو أدنى من إدخال منتجاتهم في عداد هذه الثورة، وأننا سنشهد قريباً «السيارة الذكية»

روني عبد النور
في 18 شباط الجاري، طرح مشروع تطوير هيكلية البرنامج السياراتي DySCAS (Dynamically self-configuring automotive systems)، وذلك خلال ورشة عمل مفتوحة في بروكسل. وتشكّل الهيكلية، التي طُوّرت على مدى 18 شهراً في إطار اتحاد جمع بين معاهد أبحاث، وشركات برمجة، ومصنّعي سيارات ومزوّدي القطع البديلة، حجر زاوية أساسيّاً في مشروع تطوير سيارة «ذكية» تستطيع تحديث وإعادة ترتيب خصائصها بصورة تلقائية، إضافة إلى التواصل مع أجهزة أخرى على غرار هاتف السائق النقال أو مساعده الرقمي الشخصي (PDA).
النموّ الهائل في مجال البرامج المعلوماتية، أضف إليه دورة حياة السيارات جعلا الحاجة إلى أنظمة حوسبة تساهم في تسهيل عمليات تحديث ما بعد البيع أكثر إلحاحاً من ذي قبل. وقد أدى الانتشار المتسارع لشبكات الاتصال اللاسلكي دوراً في حثّ الباحثين على المضيّ قدماً في مشروعهم الذي يرمي إلى التوفيق بين الواقع الاقتصادي الصعب والقدرات التكنولوجية المتنامية.



تحتاج السيارات إلى سنوات عدة للانتقال من جيل إلى آخر أكثر تطوّراً، معظمها يُصمّم ليبقى قيد الاستعمال لمدة عقد من الزمن أو أكثر، وهو الوقت الذي يشهد تغيّرات متسارعة في البيئة التكنولوجية المتشابكة الراهنة، والتي لا تستطيع السيارات حالياً مواكبتها لعدم توافر البرامج الفعالة الكفيلة بذلك. وهنا نلفت إلى أنه رغم إغراق الأسواق العالمية بالأقراص الموسيقية المدمجة، إلا أن الشركات المصنّعة للسيارات بقيت تستخدم المسجلات إلى ما قبل عشر سنوات خلت. أما الآن، فهي تستخدم الأقراص المدمجة على رغم غزو مشغّلات الـ MP3 للأسواق.
يقول مارتن سانفريدسون، الباحث لدى فولفو للتكنولوجيا ومنسّق مشروع تطوير الهيكلية المدعوم من الاتحاد الأوروبي، إن هذه الأخيرة هي باكورة جيل جديد من أنظمة التشغيل القابلة للتكيّف التلقائي داخل السيارة، بحيث يُنظر إليها لأن تكون أكثر نشاطاً وفعالية من تلك المتوافرة في الحواسيب.
من خلال استعمال الحلول الوسيطة، وهي عبارة عن مجموعة من الحلول التي تسمح لمختلف الأنظمة بالتفاعل في ما بينها، تتيح هيكلية DySCAS لنظام التشغيل داخل السيارة، مثلاً، الدخول أوتوماتيكياً إلى عناوين مساعد السائق الرقمي بغية مساعدته على توفير جهد التزويد اليدوي، أو حتى تتيح له سماع الموسيقى مباشرة من خلال الهاتف النقال. غير أن الأهم من ذلك يتمثّل بقدرتها على تحميل ميّزات وعناصر جديدة أو حتى تغيير تلك الموجودة في السيارة بسهولة كبيرة. إذ تسمح هيكلية DySCAS، بذات الطريقة التي يلج من خلالها الحاسوب إلى شبكة الإنترنت لتحميل أو تركيب التحديثات، للنظام السياراتي بأن يحمّل أوتوماتيكياً ما من شأنه تحسين عمل النظام، وذلك حالما تدخل السيارة ضمن نطاق بقعة إرسال شبكي لاسلكي. وعندئذ، يمكن تحميل خرائط جديدة لتزويد نظام الملاحة، وتحديث نظام الترفيه الموسيقي، أو حتى ضبط توقيت المحرك ليتناغم مع خصائص استهلاك جديدة للوقود يطلقها المصنّع وتكون أكثر ملاءمة.
ومن ناحية أخرى، يدرس الباحثون إمكان استخدام الهيكلية لتحسين وظائف تدارك الأخطاء. فمثلاً، إذا ما تعرّضت وحدة تحكّم إلكترونية معينة إلى خلل، تأتي وحدة أخرى لتحل مكانها أوتوماتيكياً وتؤدي الوظيفة المطلوبة. فمع تزايد أعداد المكوّنات الإلكترونية في السيارات، تصبح وسائل التحكّم بالعناصر المختلفة ـــــ بدءاً بنظام الإنذار، مروراً بالقفل المركزي والفرملة الأوتوماتيكية، وصولاً إلى ضبط تشغيل المحرك ـــــ متمحورة حول إيجاد أنظمة إسناد وتوازن فعالة، وذلك لتحسين مستوى التعويل على السيارة، ولا سيما عندما يهدّد خلل ما شروط السلامة. ومن المعلوم أن هذه المسألة تُعدّ من التحديات الأكبر التي تواجه التكنولوجيا السياراتية الجديدة.
في البداية، يتوقّع الخبراء أن يجري تطبيق الهيكلية الجديدة على أنظمة قليلة الحساسية التشغيلية مثل مساعد الملاحة وبرامج الاتصال والترفيه، حتى إذا ما أثبتت نجاعتها، يتم الانتقال إلى تحديث وضبط الخصائص الأكثر حساسية (خصائص المحرك نموذجاً). إضافة إلى ذلك، فقد ركّز مصنّعو السيارات ومزوّدو قطع التبديل جهودهم أوّلاً على تطوير هيكلية معيارية ساكنة لضمان التفاعل بين مختلف المكوّنات والأنظمة، لاعتقادهم بأن نظاماً ساكناً يمكن التعويل عليه أكثر من الأنظمة المرنة. وفي هذا الإطار، تشكّل الهيكلية المعروفة باسم AUTOSAR بنية تحتية معيارية يمكن الاعتماد عليها لتشغيل نظام سياراتي يوضع في السيارة أثناء مرحلة التصنيع، بحيث لا يمكن تغييره في ما بعد. وعليه، يُتوقّع لنظام DySCAS المرن والقابل للتكيّف، لكن الذي لم يظهر مستوى مرتفعاً من الكفاءة التشغيلية بعد، أن يدخل أسواق السيارات التجارية بعد عدة أعوام من الآن.