عساف أبورحالكيفما اتجهت وتجوّلت بين القرى الجنوبية، يشدك مشهد النسوة اللواتي ينتشرن جماعات وسط الحقول، منقبات عن مختلف أنواع الأعشاب البرية الصالحة للأكل، التي يطول تعداد أسمائها. فهنا، تتّكل العائلات الفقيرة على هذه الأعشاب المسماة «سليق» في طعامها، وجبةً يومية رئيسة بعد هطول المطر من كل عام. وموسم السليق يمتد ستة أشهر من التشرينين حتى أواخر شهر نيسان، وتتنوع أعشابه بين الدردار والقرص عنّة والهندباء والجرجير والكراث والمشة وانتهاءً بنبتة العكوب التي يطول موسمها قياساً بزميلاتها، والتي تشهد إقبالاً كبيراً نظراً لارتفاع ثمنها، وخصوصاً إن كانت مقشرة من أشواكها. ومع أن اعتماد أكل هذه الأنواع البرية من النباتات، يعدّ نظاماً غذائياً صحياً ممتازاً حسب الخبراء، فإن القرويين يعتمدون عليها مرغمين طوال فصلي الشتاء والربيع، لارتفاع أسعار اللحوم التي تجاوزت العشرين ألف ليرة للكيلوغرام الواحد. وعادة «التسليق» أي اقتلاع هذه الأنواع الصالحة للأكل موضوع قديم، إلّا أن الطلب ازداد عليها أخيراً بسبب الضائقة الاقتصادية في الأرياف. هكذا تحولت إلى مصدر رزق إضافي للكثيرين ممن يعملون في جمعها وبيعها على جوانب الطرقات العامة. فمع انتشار ثقافة الأكل الصحي في عالم اليوم، تعيد فئات من المجتمع «اكتشاف» السليق، لذا باتت بسطاته تلفت أنظار الكثيرين من المارة، وتستوقفهم متسائلين عن هذا النوع وذاك، يفاصلون ويجادلون وفي الختام يبتاعون غمراً من الحشائش البرية بسعر زهيد. هكذا تقول ليلى الأحمد 30 عاماً من بلدة عين عرب الجنوبية، التي تعمل في بيع «السليق» متخذةً من مثلث الخيام مركزاً لتسويق بضاعتها «نحن عائلة من عشرة أفراد نعمل في جمع الأصناف المختلفة من الأعشاب وبيعها لتأمين عيشنا. الشغل مش عيب، العيب حاجة الآخرين. الأوضاع المعيشية صعبة جداً وفرص العمل معدومة، وخصوصاً في قرية حدودية معزولة مثل عين عرب، هذه التجارة تدر أرباحاً بسيطة لفترة محدودة نضطر بعدها إلى اعتماد وسيلة عيش أخرى». وتشرح سعاد الأحمد أن هذه الأعشاب تسمح بتحضير «أكثر من 30 وجبة مختلفة لكل واحدة ميزاتها وطعمها الخاص»، كما يمكن توضيبها بطرق معينة لتخدم فترة طويلة، وأضافت: «لا قدرة لنا على شراء اللحوم ونستعيض عنها بمأكولات أخرى مجانية تحتاج إلى بعض الجهد». لكن خطراً ظهر أخيراً هو أثر رش المبيدات في البساتين على أعشاب «السليق»، وخصوصاً تلك التي لا تظهر مفاعيلها إلا بعد مرور 20 يوماً. هذا الأمر لا يأخذه البعض في الحسبان فتتحوّل فائدة الأعشاب إلى ضدها، لذا ينصح بعض المزارعين بالابتعاد عن البساتين واللجوء إلى الأراضي البور كمصدر لهذه الأعشاب لكونها خارج تأثير رشّ المبيدات.