يتجه بعض المزارعين، بتشجيع من مؤسسات دولية، نحو زراعة الصعتر. قد يكون لهذه الزراعة إيجابيات إلا أن سوء التقنيات المعتمدة من بعض المزارعين الذين يقتلعون الشتلة من الجذور يستدعي التحذير من مساوئها
كامل جابر
أصبح بإمكان المزارع الجنوبي جني أرباح مضاعفة من الصعتر، لأكثر من موسم واحد على مدار السنة، بعدما عمد إلى زراعته وتدجينه.
وتلاقي هذه الزراعة اهتماماً وتشجيعاً من بعض المؤسسات الدولية التي سارعت، من خلال البلديات، إلى إمداد عدد من المزارعين بشبكات الري وخزانات المياه والشتول، لا سيما في بلدة زوطر الشرقية، حيث وجد بعضهم ضالته في البراري، فغزاها عشوائياً بغية نقل الصعتر المعمّر فيها سنوات، إلى حقله واعتماده إنتاجاً زراعياً دائماً.
ويغطي إنتاج الصعتر في لبنان ثلاثين بالمئة من حاجة السوق، بينما يتراوح سعر الكيلوغرام الجيد منه بين 15 ألف ليرة و22 ألفاً؛ ويمثّل سلعة استهلاكية أساسية تستورد الكميات الناقصة منه من سوريا والأردن. لكنها أصناف لا تشبه الأصناف اللبنانية بجودتها وطعمها. ومن هنا نجح المزارع محمد نعمة في زوطر الشرقية في تدجين الزعتر وزراعته، فصار ينتج من خلال مشاتله مواسم لا تقتصر على الصعتر اليابس، بل على زيت الصعتر العطري الباهض الثمن، والصعتر المقطّر، لاقت أسواقها في لبنان وفي الخارج تحت اسم «زعتر زوطر». خلال الأشهر السابقة، عممت تجربة هذا المزارع، وتجارب آخرين انتهجوا نهجه في التدجين.
ويوضح الكاتب في بلدية زوطر الشرقية، جابر جابر، أن «حماسة المزارعين ازدادت لاعتماد هذه الزراعة بعدما قررت مؤسسة UNDP تقديم المساعدات لنحو عشرين مواطناً ممن كانوا يقطفون الصعتر البري ويبيعونه كمصدر إنتاجي، في خطوة تمثّل تعويضاً لمن حرموا من القطاف بسبب القنابل العنقودية»، مشيراً إلى أن «المساحة التي ستساهم UNDP في تغطية شبكات الري فيها وخزانات المياه لا تتعدى 500 متر مربع لكل مزارع؛ على أن تدفع هي ثمن الشتول التي يمكن للمزارعين تأمينها من مشتل جيد في بلدتنا زوطر الشرقية».
إلا أن بعض أهالي زوطر اشتكوا من غزو المزارعين للبراري واقتلاعهم الصعتر عشوائياً.
فاقتلاع الشتلة البرية من الجذور يضرب الثروة الطبيعية من الصعتر البري ويضرّ بالتنوع البيولوجي عموماً، علماً بأن نقل الصعتر البرّي إلى حقول التدجين لا يعطي النتائج عينها التي تعطيها النبتة الأصيلة في أماكن انتشارها الذي يتعدى السنين الطويلة.
ولأن قانون وزارة الزراعة يمنع قطع الصعتر قبل أوانه، في حزيران من كل عام، ويعاقب المخالفين بضبط تبلغ قيمته نحو مليون ليرة لبنانية، جرى التبليغ عن مقتلعي الصعتر عشوائياً، إلا أن الوزارة لم تحرك ساكناً، كما يفيد الأهالي.
البلدية، من ناحيتها، قامت باللازم، بحسب جابر، إذ إنها لطالما «سهرت على ملاحقة بعض المخالفين الذين كانوا يجتاحون الحقول البرية في أوقات الفجر ويعملون على قطف الصعتر من جذوره. أما من ينقل بعضه للتدجين من أبناء البلدة، بكميات محدودة لزراعته في حدائق البيوت، لا في حقول شاسعة، فالبلدية تتغاضى عنه».
يشرح جابر أن العديد من أبناء البلدة يقطفون الصعتر البري من الحقول الواقعة بين الجهة الجنوبية ونهر الليطاني، لمؤونة بيوتهم في أوان قطافه، ملتزمين بالأوقات المحددة، حتى يعطيهم إنتاجاً مماثلاً في العام التالي وبعده، مردفاً «أصلا، المزارعون يدركون عدم جدوى زراعة البري بكميات في حقولهم، لأنه يكلف أكثر من الموجود في المشاتل ويحتاج إلى وقت لينمو، ويظل إلى سنوات عديدة ضعيف الإنتاج».
لا شك في أن الطريقة المثلى للخروج من مأزق الاقتلاع، تكمن في تدجين وتأصيل الصعتر، لما تتيحه من زراعة مبنية على نثر البذور في المشاتل بدل اقتلاع الشتلة المعمرة من جذورها، ومن انتقاء الصنف المثالي المتلائم مع ظروف الزراعة وطلبات السوق. فأصناف الصعتر البري المنتشرة على الأراضي الجنوبية تصل إلى 13 صنفاً، تختلف من حيث الميزة والطعم وشكل الأوراق وارتفاع الأغصان أو قصرها، ولها مشاكلها وتحتاج إلى تجارب ومحاولات للوصول إلى صنف مهجن يمكن اعتماده بديلاً يمكن تعميمه في مشاتل التدجين وحقوله.
ولأن «التأصيل» يحتاج إلى سنوات طويلة من التجارب، لأن الصعتر البري يستلزم في حقول التدجين وقتاً أكثر للنمو، يتجاوز السنة، إذ إنه عبارة عن جذور مقتلعة من الأرض تحتاج إلى أكثر من شهر للتفريخ وثلاثة أشهر للنمو وسنة ليصبح منتجاً؛ وهو مهدد في أول جفاف قد يتعرض له، إن لم يكن قد اتسع نموه، وبعدها لا يفرخ أكثر من مرتين في السنة الواحدة، فقد استعان بعض المزارعين ببذور مؤصلة دُجّنت سابقاً في الخارج، يمكنها أن تعطي مواسم متعددة خلال العام الواحد، قد تتجاوز الثلاثة والأربعة، وهذا منوط بعملية الري المتواصلة.