كارين عبد النور هل تساءلتم يوماً «لماذا يتفادى طلاب جامعاتنا المناقشات الفكرية وينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الحصص الدراسية»؟ أسئلة طرحتها صحيفة نيويورك تايمز محاولة الإجابة عنها عن طريق عالمة الانتروبولوجيا كاتي سمول. وللتمكن من القيام بدراستها هذه تسجلت سمول كمبتدئة في جامعة أريزونا، بهدف مراقبة الطلاب والمتخرجين عن كثب. وقد وضعت نتائج دراستها في كتاب عنوانه «ما يتعلمه الأستاذ حين يصبح تلميذاً».
ترى الكاتبة أن طلاب اليوم لا يمكن تصنيفهم كـ«نخبة». وتضيف أنه من الصعب جداً «أن نجذبهم إلى حوار سياسي أو فلسفي، فيما يجدون لذتهم في التفكير بطرق الهروب من حرم الجامعة أو التخلص من حصص الدراسة. فبالنسبة إليهم، يبدو الانسجام مع ثقافة جامعاتهم أمراً حساساً، ويعتبرون القيام ببحوث فكرية وأكاديمية أمراً ثانوياً». إن عمل سمول الميداني حتّم عليها ترك بيتها للمكوث مع الطلاب في غرفهم، ومتابعة الحصص الدراسية معهم، والتحول من الأستاذ إلى الطالب المبتدئ. لاحظت أن «الأجيال المعاصرة تكرس وقتاً أقل للدراسة، وتقصر علاقاتها الاجتماعية على الأمور الضرورية». ماذا يفعل أبناء الجيل الجديد إذاً؟
الواضح أن الكثير من الطلاب يكافحون لتأمين احتياجاتهم المادية التي تفرضها عليهم الأقساط المدرسية ومصاريفهم الخاصة، ما يحتم عليهم العمل خارج حرم الجامعة.
واستنتجت سمول أن الأعباء الفكرية والحشو التعليمي وثقل الحصص الدراسية، كلها عوامل ساهمت في الحد من قدرات التلميذ، مما قلل من فرص اختلاطه بالعالم الخارجي. وتساءلت سمول: «لمَ لا نفكر بطرق تربوية مناسبة ترضي الأجيال المعاصرة؟».
دوّنت سمول ملاحظات أثارت اهتمامها، إذ يسود اعتقاد بين الطلاب أن «النساء القصيرات القامة ذوات الشعر المتجعد والمائل إلى الرمادي، هن أقل حظاً»، فيما المطلقات يستأنفن الدراسة لاضطرارهن إلى مواجهة أعباء الحياة ومسؤولياتها. واللافت أن المطلقات عموماً يتفادين الاختلاط الاجتماعي ويتجنبن السؤال عن أسباب طلاقهن.
وتحدثت سمول عن «الفنون والرسوم التي كانت تراها دوماً» مزينة أبواب غرف نوم الطلاب. ومن خلال هذه الرسوم كان كل طالب يعرف عن هويته الشخصية: فهذا شاب لا يحسب العوائق، وهذا صبي عفوي، بينما صديقه ممتع في الحب، وغيره مغامر في علاقاته الجنسية.
وأما أبواب الفتيات فهي تختلف عن أبواب الشباب، إذ تُعلق عليها ألواح بيضاء فارغة بانتظار أن يأتي شاب ليملأها بكلام جذاب أو تعليق لافت.
ولا يخفى على أحد ميل التلاميذ إلى الخروج مع رفاقهم للتسوق أو لتناول وجبة طعام معاً. «المهم لديهم هو الهروب خارج جامعاتهم ليشعروا بحرية أكبر».
وبيّنت دراسة سمول أن أكثر العلاقات ثباتاً «هي تلك التي تبدأ في السنة الأولى».
رغم معرفتها التامة بعلم الأنثروبولوجيا، تعترف سمول بأنها لن تتمكن يوماً «من معرفة أبناء الجامعات أكثر مما يعرفون أنفسهم، لكن كل ما سعت إليه من خلال عودتها إلى عالم الطلبة هو استيضاح تطلعاتهم واهتماماتهم ووجهات نظرهم». وأضافت في ختام دراستها «إنها لم تكتب للمبتدئين، لكنها أوضحت أوجه الثقافة التي نعيشها علناً، نقدم جزءاً من الحرية إلى جيل اليوم، وندرك أكثر كيفية التعامل معه بكثير من المرونة».