سارة أسعديطالعنا الشاعر حسن عبد الله مجدّداً برائعة تُسجَّل في كتب الأطفال. «فرح»، شعر وأقاصيص شعرية للأطفال والفتيان، كتاب صادر عن دار الساقي. يذهب الكاتب أبعد من القيم التي تعالجها كتب الأطفال عادة. إنه يسبر أغوار عالم من الجمال، ضروريّ أيضاً لنموّ العقل وحسّ تذوّق الأدب والشّعر عند الصّغار، فيعالج مواضيع بسيطة، غير كلاسيكيّة، واضعاً أسساً لعلم الجمال عبر نصوصه. لا يخبر قصّة تنتهي بزواج الأميرة و«عاشوا أحلى عيشة»، ولا يطالع قارئه بنماذج كلاسيكيّة جوفاء، بل يتعامل (كعادته) بفائق احترام للطّفل، ليس فقط تجاه ذكائه وقوّة ملاحظته، بل إنه يحترم أيضاً حسّ النقد وتذوّق موسيقى النّصوص في أذنه.
يتحدث عبد الله عن أمور يوميّة حياتيّة تضجّ حيناً بالواقعية البسيطة، كالمنقوشة والجدّة والتفاحة والوردة، وأحياناً أخرى تلامس الفكاهة والخرافة المسليّة، حين يعضّ رسم الكلب الولد، أو عندما تتنقّل الحرباء الجميلة بسيّارة حمراء وتأخذ الخفّاش في نزهة.
لغة الكتاب سهلة متأنّقة، ترتدي حلّة شعريّة مقفّاة أحياناً، وتخبر القصص بكلمات بمتناول الصغار، ممتعةً ببساطتها المفرطة واللّهو الجميل الذي تقدّمه للقارئ الصغير. إلى ذلك، تقدّم جمالية النص الأدبي فرصة للاستمتاع بالقراءة للجيل الأكبر أيضاً، فيجد القارئ الكبير فسحة من سحر في كتاب «فرح»، ترميه في عالم جميل حيث جحا والفارس الصغير والحصان الخشبي وكلّ أدوات الطفولة بأبهى حللها.
تتنوّع رسوم تمارا السّامرائي لتتآلف مع جماليّة النصوص وشاعريتها بأسلوب يبعد حيناً عن واقعيّة الأحجام والأشكال ويقترب أحياناً أخرى من بساطة رسوم الطّفل الأولى. تلجأ الرّسامة إلى تقنيات في غاية البساطة، كاستعمال قلم الرّصاص في الرّسم أو أقلام التلوين الخشبيّة لتسهيل التماهي بين القارئ والكتاب.
الرّسوم، رغم قيمتها الجماليّة، تظلّ ترجمة مباشرة للنّص، إذ من الصّعب التّفوّق على كلمات حسن عبد الله التّي تبقى العنصر الأساسيّ والرّكيزة الأصل في «فرح».
أخيراً، يبقى كلام عن كتاب «فرح» الذي يأخذ أبعاداً تتخطّى أشعار كتب القراءة المكرّرة، حيث السقف حديد والرّكن حجر منذ ما قبل التّاريخ. «فرح» أكثر من عمل يتوجّه للأطفال، إنه كتاب يُغني المكتبة العربية لسنين قادمة، بين أوراقه رائحة الكلاسيكيّات التي لا تموت، والّتي تبقى لزمن طويل مرجعاً وسقفاً حديدياً جديداً في أدب الأطفال.
وأيضاً، بعيداً عن محيط المنزل والمدرسة والشّارع الصغير، «فرح» جميل مدهش، بقلبه وقالبه، شعر كما يكتبه صاحب «الدردارة»، فحسن عبد الله يتوجّه أولاً لنفسه ولنا، وللطّفل الجميل في كلّ منّا قبل صغير السّن المتلهّف للجمال والإيقاع.