أحمد الدرزيأقولها بكل جرأة، من كل عقلي رغم رحلة الآلام والمآسي والمجازر والفتن الطويلة مع كيانك الصهيوني. إسرائيل بدءاً من بداية تكوّنك في عقول المستكبرين الرأسماليين، دعاة الديموقراطية العنصرية ككيان وظيفي، حتى تحققه واقعياً، أفضالك علينا لا ولن تنسى. لقد أرادوا من وجودك أشياء وأشياء، فنجحوا لأجل مسمى في قسم منها وفشلوا في الكثير منها من حيث لا يدرون. أفضالك علينا يا إسرائيل، هي أكثر من أن تعد وتحصى وأكثر من أن تُحدّ.
أفضالك علينا يا إسرائيل ليس لها حدود، وسوف تزداد في مستقبل الأيام أكثر. من أين أبدأ؟ لا أعرف. قد لا أحيط بأفضالك علينا ولكنني سأحاول ذكر ما استوعبته من فضل، فاعذريني إن قصّرت في شيء منها فكرمك ليس له حدود.
الشكر لك في مساهمتك الكبيرة في مشروع إعادة بناء الوعي السياسي ومن ثم مشروعنا السياسي المقبل بإذن الله. فلقد كان مشروعنا السياسي في بناء الدولة المدنية العادلة قد أجهض بعد قتل خليفتنا الرابع على يد الطغاة بأدوات خارجية المذهب، سلفيي القرن الهجري الأول. ومن ذلك اليوم، أصبح مذهبنا السياسي هو إطاعة الطاغية. ومرّ الطغاة قرناً بعد قرناً من دون أمل بالتغيير، لأننا نعتقد أن الله كتب علينا ألا نخالف قضاءه وقدره في من يحكموننا. وها نحن اليوم نشاهد ومضات هنا وهناك تنادي، ويعلو الصوت مطالباً بحضور الأمة في الاختيار والعزل، وهذا ما كان ليحصل بهذا الحجم لولا وجودك الاستفزازي في قلب العالم. فوجودك الاستفزازي سرّع بوجود الحركات السياسية بأطيافها المختلفة، من الإسلامية إلى القومية إلى اليسارية، رافعة الصوت بضرورة التغيير. ولا بد للصوت من صدى، ولو بعد حين. وها هي عامة الناس قد بدأت تشير إلى النظام الرسمي العربي بأصابعها وضاجة بالصوت خارجة عن إطار المشوه بحكم الطواغيت، تؤكد فساد النظام الرسمي الطاغوتي من خلال مساهمته معك في تسهيل عملية ولادتك المشوهة واستمرار وجودك المسخ وفي تأمين حمايتك وتأمين الغطاء السياسي لمجازرك وجرائمك. وغداً سيشيرون إلى هذا النظام الرسمي بسواعدهم وربما ببنادقهم، فهل كنا سنتغير لولا وجودك؟ شكراً إسرائيل على تهجيرك القسم الأكبر من شعب فلسطين. تريدين اقتلاعه من جذوره، فبرغم كل الآلام التي لا تطاق والتي رافقت واستمرت وستستمر حتى العودة، فإنك في هذا العمل قدمت لنا خدمة لا تُنسى. لقد صنعت لنا بذلك شعباً مقاوماً لا يكل ولا يمل في فعل المقاومة، ورمزاً دائماً جاذباً لكل الحالمين والعاملين من أجل سعادة البشرية بالعدل.
شكراً إسرائيل على عملك السابق مع الطاغوت في إيران، لأنك بذلك قد ألّبت الشعب الإيراني أكثر على طاغوته، وجعلت الناس يلتفّون أكثر حول قائدهم التاريخي، فكان لك فضل كبير في نجاح الثورة الإسلامية.
شكراً إسرائيل على عملك هذا. لقد كنت سبباً لوجود أول جمهورية إسلامية في التاريخ الإسلامي يحكمها دستور في ظل برلمان منتخب ورئيس منتخب في عملية تداول للسلطة من جانب الأمة كما أراد نبيّها قبل قرون. شكراً إسرائيل لتهديدك الدائم والمستمر لإيران، فبهذا، جعلتِ إيران تنظر إلى مشروعها الإقليمي والدولي من وجهة نظر مخالفة لما كانت على عهد الطاغوت وبما يصب في مصلحتنا نحن العرب. شكراً إسرائيل على احتلالك لبنان، فأفضالك أكثر في ذلك من أن تعد وتحصى، أولها هو مساهمتك في إعادة ترشيد المقاومة الوطنية اللبنانية بانتقالها من الحرب الأهلية إلى مواجهتك أنت. شكراً إسرائيل على دهائك الأمني في لبنان، مما تطلب أن تتكوّن المقاومة الإسلامية كأهم جهاز أمني في المنطقة وأكثر ذكاءً ودقة من كل أجهزة الأمن العالمية. شكراً على قتل شهيدنا السيد عباس قائد المقاومة لأنه ذهب شهيداً ورمزاً لن يفارق الذاكرة، ولأن فقداننا له بسببك كان سبباً لمجيء من لا يقل عنه قوة وشدة وبأساً وحكمة، مع فارق واحد هو أنك علمتنا كيف نحافظ على قادتنا أكثر.
شكراً لقتلك غدراً شهيدنا الغالي الحاج عماد مغنية، لأنك عرّفتنا على أعظم رمز للإيثار والصدق والإخلاص. فرغم الخسارة الفادحة التي منينا بها بذهابه، ولكننا عوّضنا عنه بجيل مضاعف من القياديين ممن تتلمذوا على يديه خلال 25 عاماً من حياته في المقاومة وللمقاومة.
شكراً إسرائيل على دخولك في حرب تموز: لقد وفرت لنا الفرصة لإعادة الثقة بأنفسنا من خلال بضع مئات من المقاومين الذين أثبتوا لنا أن الإرادة والتصميم مع الحكمة والعقل والإيمان يمكن أن تجعل الطغاة العمالقة أقزاماً.
شكراً إسرائيل لأنك كنت السبب في بروز حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بعدما أوجدتِ الوهن والتعب في حركات المقاومة التي سبقتهما لتتابعا رفع راية المقاومة بعزم أشد وأقوى.
شكراً إسرائيل على المجازر المروعة التي ارتكبتها في غزة مع بداية العام الهجري الجديد، لأنك أحييت عاشوراء جديدة في أرض جديدة مع بداية محرم جديد، بوجود حسينيّين جدد أمثال القائد نزار ريان من بعد أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وفتحي الشقاقي والكثير من القادة. شكراً إسرائيل على الدماء التي أسلتها في غزة وما زلت، لأنك بهذا تعيدين كتابة القاعدة التاريخية الذهبية: انتصار الدم على السيف. شكراً إسرائيل لأنك أثبتّ لنا أن المقاومة وأسلوب قتالها أهم من كل جيوش الأمة العربية المدججة بالأموال، وها قد مضى أكثر من 18 يوماً وأنت لا تستطيعين سحق غزة، بينما استوليت في سالف الأيام على سيناء والجولان والضفة بستة أيام.
شكراً على إعادتك لنا إلى عقولنا بإعادة ترشيد البوصلة. شكراً على عودتك إلى المواجهة المباشرة، فأنا لا أتحمل اختباءك كثيراً خلف أدواتك، هل تعلمين لماذا؟ لأن غيابك المباشر يعيدنا قبائل وعشائر وأدياناً ومذاهب. لأن غيابك المباشر يصيبني بالصداع من كثرة قرع الطبول الفارغة من جانب أدواتك، بينما أنا الآن أنام قرير العين من اطمئناني بالانتصار وغياب قرع الطبول.
حضورك يجعل الوكيل لا شرعية له، فأرجوك ألا تغيبي عن الحضور، فأنا لم أعد أذكر الوكلاء. الآن أسألك عدم الغياب لأن حضورك يجعلني أستبشر خيراً في قدرة هذه الأمة على التغيير. أرجوك ألا تتوقفي عن مواجهتنا حتى يكتمل مشروعنا، فهم أرادوك مشروعاً وظيفياً في قلب العالم، ولكننا نرى من وجودك سبباً لمشروع آخر قد يغير وجه البشرية. إننا نرى ملامح مشروع تغيير بمساعدتك لنا في التغلب على أنفسنا بما نحمل من إرث مخالف لما أتى به أنبياؤنا، فأرجوك ألا تتوقفي، واعذريني إذا لم أذكر إلا الجزء اليسير من أفضالك علينا.