تتسع دائرة الخلاف بين مايك غريفين مدير وكالة «ناسا» وفريق الرئيس أوباما، وذلك رغم نجاح مهمات الوكالة في المريخ. ويبدو أن الرياح عاتية، وعلى غريفين، الذي أطلق وعداً بهبوط الإنسان على سطح الكوكب الأحمر بحلول عام 2037، أن يحطّ هو بسلام فوق البيت الأبيض بحلّته الجديدة..
روني عبد النور
تشهد أروقة وكالة الفضاء والطيران الأميركية «ناسا» بعض «الأحداث»، وقد بدأت تسريبات عن خلاف في وجهات النظر بين مايك غريفين مدير «ناسا» وفريق الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الانتقالي. نقلت صحيفة «أورلاندو سانتينيل» أن غريفين خرج من لقاء مع لوري غارفر، قائد فريق أوباما لشؤون الفضاء، متجهّم الوجه، وطالباً التكلّم مباشرة مع الرئيس المنتخب. وأضافت الصحيفة إن غريفين لا يتعاون مع الفريق ويرى أنّه «غير مؤهّلٍ» لتقويم برنامجه الصاروخي. ورغم نفي كريس شانك، مدير العلاقات الاستراتيجية في الوكالة، للخبر، اعترف الأخير بأن غريفين يبدي قلقاً من كون أعضاء الفريق الستّة يأتون من خلفيات السياسة الفضائية، وتنقصهم الخبرة الهندسية اللازمة لتقويم بعض المعلومات.
وكان غريفين قد طلب من الموظّفين والمقاولين المدنيين أن يزوّدوه بما سيُدلون به للفريق الانتقالي، محذّراً المديرين من انتقاد برنامج الوكالة المتعلّق بالقمر. مقاومة غريفين تعود إلى رغبته الشديدة في الحفاظ على البرنامج الصاروخي القمري، المؤجّل والمرتفع الميزانية، الذي يعدّه بمثابة مشروعه الخاص. فقد أعلنت ناسا أواخر عام 2006 أنها تخطّط للشروع في بناء قاعدة دائمة على سطح القمر بحلول عام 2020 بغية تشغيلها تشغيلاً كاملاً عام 2024 بالتنسيق مع دول أخرى.



حالة التوتّر تعود إلى توقّف برنامج ناسا المتعلّق بخروج البشر إلى الفضاء أمام مفترق طرق منذ نهاية حقبة أبولو في سبعينيات القرن الماضي. فمهمّة Space shuttle تنتهي عام 2010، فيما الجيل الجديد من الصواريخ المعروف ببرنامج Constellation لن ينطلق قبل عام 2015. هذا الجيل، الذي يهدف إلى استخدام المحطة الدولية والخروج من مدار الأرض، خلق شكوكاً عند الفريق الانتقالي نتيجة المشاكل التمويلية والتقنية التي تعترضه، والتي رأى غريفين أنّها «مسائل تطوير عادية».
وجاء بوش بغريفين قبل أربع سنوات لتنظيم عودة روّاد الفضاء إلى القمر بحلول عام 2020، وذلك كمقدّمة لهبوط البشر على سطح المريخ، حيث قام مدير الوكالة وفريقه باختيار كبسولة أوريون وصاروخ أريس-1 كوسيلتين أقل كلفة وأكثر أماناً من الصواريخ الموجودة لإعادة البشر إلى الفضاء. وطرحت إدارة «ناسا» فكرة أن تتبنّى إدارة أوباما ملكيّة البرنامج وإعادة تصنيفه مع تعديلات طفيفة عليه، لاعتقادها بأن أي تغيير يطرأ قد يجعلها تبدو بمظهر سيّئ، ما يفقدها ثقة المستثمرين والجمهور.
هذا بالنسبة إلى الجدل الدائر في واشنطن، أما في ما يتعلّق بالمريخ، فالأمور تبدو أفضل حالاً. فقد أعلنت الوكالة أن المركبة الفضائية Mars Reconnaissance Orbiter أنهت الجزء الأول من مهمّتها العلمية لمراقبة جيولوجيا الكوكب الأحمر ومناخه، ووجدت المركبة إشارات إلى تاريخ مريخي معقّد من التغيّر المناخي، الأمر الذي أنتج البيئات المائية المختلفة التي توالت عبر الزمن.
ورغم تعطّل عملية الاتّصال على مدى أسابيع معدودة وإرسال بعض المشاهدات المتقطّعة عندما كانت الشمس تقع بين الأرض والمريخ، وجدت المركبة نماذج عن دورات تغيّرات في مناخ الكوكب الأحمر المستمرّة إلى اليوم، وذلك بواسطة الكشف الراداري الذي أشار إلى وجود رواسب جليدية تحت السطح خارج المناطق القطبية قرب خط الاستواء.
وبحسب الموقع الإلكتروني للوكالة، أرسلت المركبة 73 تيرابايت من البيانات العلمية، وكانت قد قامت، منذ انتقالها إلى مسافة تبلغ 186 ميلاً فوق سطح المريخ في تشرين الأول 2006، بتحقيق عشرة آلاف سلسلة من المشاهدات لأماكن بالغة الأهمية؛ وصوّرت 40 في المئة من الكوكب؛ وجمع المسح ما يقارب 700 خارطة طقس يومية شاملة، عشرات الخلفيات عن الحرارة الجوية، ومئات الخلفيات الرادارية لتحرّكات تحت السطح وجوف المناطق القطبية.
هذه الإشارات تلفت إلى نشاط مائي على سطح الكوكب وداخله خلال مئات ملايين السنين. وتوصّلت المهمّة أيضاً إلى تفاصيل عن مجموعة من البيئات المائية، وإلى معلومات عن وجود جداول وحركات مائية وضباب جوّي رافق التغيّر المستمر في مناخ الكوكب.
يُذكر أن مشاهدات المركبة ساعدت فريق المركبة فينيكس، التي أُطلقت في آب 2008، على تغيير موقع هبوطها وإرسال المعلومات المتعلّقة بها إلى الأرض، كما يُستعان بها لانتقاء نقطة هبوط مختبر المريخ العلمي الذي من المزمع أن يُطلق عام 2011.
يقول ريتشارد زوريك، أحد المسؤولين في الوكالة، إن هذه المشاهدات بلغت مستوى من الدقة لاختبار الفرضيات عن الزمان والمكان اللذين غيّرت المياه فيهما معالم المريخ، ولتحديد الأماكن الأكثر فعالية للبعثات المستقبلية في بحثها عن مناطق صالحة للسكن على الكوكب. وستدخل المركبة المرحلة الثانية عندما يبدأ المريخ دورة مدارية جديدة حول الشمس تستغرق سنتين أرضيّتين تقريباً.