«المتحف العراقي سيفتح أبوابه في الشهر المقبل»، تلك هي التقارير التي بدأت تصل من بغداد. إنه قرار رأى فيه أهل الاختصاص خطوة «جريئة جداً» في ظل الوضع الأمني غير المستتب حالياً. فكان لا بد من توجيه الأسئلة إلى من يعرف ما الذي يجري في أروقة الوزارات العراقية، وقد أتت الإجابة بأن وزير الآثار والسياحة، قحطان الجبوري، كان قد قرر ذلك وصرّح به في مقابلة صحافية، ثم زار المتحف الوطني وأبلغ العاملين فيه قراره! وكان لقراره بالطبع وقع الصاعقة على الفريق العامل في المتحف. فالمبنى، بدايةً، ليس مجهزاً أمنياً لفتح أبوابه وعرض القطع الأثرية في قاعاته الـ36، ما سيعرضها لعدة مخاطر، أولها أمني. فمن يضمن ألّا يتعرض المتحف العراقي للسرقة مجدداً بعد أن تشرّع أبوابه؟ فخلال السنين الماضية، سرق لصوص محترفون عدة بنوك في بغداد، ومن يكفل أنهم لا ينتظرون فتح أبواب المتحف حتى ينقضّوا عليه؟ هذا فضلاً عن أن إعادة القطع إلى مكانها تتطلّب شهوراً طويلة من العمل، إذ إن المتحف العراقي من الأكبر في العالم، إضافةً طبعاً إلى كل المشاكل التقنية البحتة، فالقطع يجب أن تعرض في صالات مجهزة بآلات تضمن عدم تغيّر الحرارة والرطوبة طوال أربع وعشرين ساعة، وإلّا فستبدأ عملية التآكل والتفتت. ولكن الوزير لم يدخل بالطبع في كل تلك التفاصيل حين صرح في مقابلته بأن المتحف سيفتح أبوابه الشهر المقبل. والمحزن جداً أنه، حين عبّرت المديرة العامة للهيئة العامة للآثار والمتاحف في العراق، الدكتورة أميرة عدن، عن رأيها بأنه يجب التريث حتى يستتب الأمن، فصلها الوزير من منصبها وعيّن مكانها المدير العام للتنقيبات الأثرية، قيس حسين رشيد. وكأنما لصدام حسين خلفاء في أرض بلاد ما بين النهرين ! هنا تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة أميرة عدن كانت قد تولت منصب الإدارة منذ أكثر من سنتين، وتميزت برزانتها وبدفاعها غير المشروط عن آثار العراق وتاريخها، وأثبتت جدارتها عالمياً. وكانت قد تسلّمت منصبها في فترة من التنازع السياسي الطائفي الحاد جداً في العراق، ولكنها عرفت كيف تبعد إدارتها عن تلك الخلافات وتحافظ على هيكلية علمية في إدارتها. ولكن يبدو أن ذلك العمل لم ينفع حينما أخذ الوزير قراره.
وللتذكير فقط، كان متحف العراق، المعروف بمتحف بغداد، قد تعرّض، في نيسان 2003، لعملية نهب واسعة خسر خلالها 15.000 تحفة أثرية. وأظهرت التحقيقات، التي قام بها فريق من الشرطة الفدرالية الأميركية (F.B.I) بطلب من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جورج بوش، أن جزءاً من عملية نهب المتحف كانت منظمة! فالسارقون، الذين دخلوا المستودعات ونهبوا مجموعة الأختام الأسطوانية، كانوا يعرفون ماذا يفعلون وعما يبحثون. وتجدر الإشارة إلى أن القطع المعروضة في متحف بغداد تعدّ من الأهم في العالم، ولا مثيل لها في غالب الأحيان. فالبشرية جمعاء، وليس فقط العراق، لا يمكنها أن تتهاون في مصيرها وإعادة فتح أبواب المتحف، وخصوصاً حينما يكون الوضع الأمني غير مستتب. وإلّا، فسيكون حفل الافتتاح دعوة عامة لكل السارقين المحترفين في العالم لإنهاء ما بدأوه في 2003.