بعد توقف معظم فرق منظمة «باكتيك» ونحو 5 منظمات وشركات مشابهة، دقت منظمة «ماغ» البريطانية هي الأخرى ناقوس الخطر، بتوقفها عن نزع الألغام في جنوب لبنان نهاية الجاري، ومغادرته نهائياً بعد صرف عمالها
كامل جابر
نهاية الشهر هو الموعد الأخير. ففي نهاية الجاري تترك المنظمة البريطانية المشهورة «ماغ»، أراضي شاسعة في الجنوب اللبناني ملغّمة تحت أقدام مواطنين، يرنون إلى أراض يملكونها بالاسم، ولا يستطيعون استغلالها. توقف التمويل وراء هذه الخطوة التي تأتي بعد ثماني سنوات من عمل المنظمة المستمر. وهو وضع يجعل العديد من البلدات والمناطق الجنوبية، نطاق عمل هذه المنظمة، مجدداً، تحت سطوة الألغام والقنابل العنقودية المنتشرة أصلاً في 1061 موقعاً ملوثاً في الجنوب، تبلغ مساحتها نحو 48 مليون متر مربع.
إلى جانب احتمال توقف أعمال التنقيب والإزالة، إن لم تتوافر مجدداً مبالغ التمويل من الدول المانحة، فإن مصير نحو 350 عاملاً لبنانياً يتوزعون على 18 فريقاً في منظمة «ماغ» وعائلاتهم سيكون مشرّعاً على المجهول، طبعاً سيضحون عاطلين من العمل؛ وخصوصاً بعد تلقيهم إنذارات خطية بصرفهم من العمل نهاية الجاري. وتراوح رواتب هؤلاء العاملين والموظفين بين 700 دولار أميركي وألف دولار؛ إذ تتجاوز مدة انتساب العديد منهم إلى المنظمة ثماني سنوات من العمل المتواصل؛ فضلاً عن أن بعضاً منهم قد صار من أصحاب الإعاقة بعد إصابته خلال عملية إزالة الألغام، ونقل على أثرها إلى وظائف إدارية.
وأمام تحرك العاملين احتجاجاً على «قرار» المنظمة؛ أكدت مديرة برنامج «ماغ» في لبنان الدكتورة كريستينا بينيك أنه «سيجري إقفال مركز المنظمة في الجنوب نهاية الشهر الحالي في حال عدم توافر الأموال اللازمة لاستمرار عملها». مشيرة إلى «أن النقص الحاصل في التمويل يعود لوجود دول «منافسة» للبنان، من حيث تعرضها للقنابل والألغام، كالعراق وأفغانستان وغيرهما». ولم تسدّ بينيك أبواب الأمل نهائياً أمام المتسائلين عن مصيرهم، فأعلنت «أن المنظمة تسعى لحل هذه المشكلة قبل نهاية الشهر، وهي لهذه الغاية تبذل جهوداً حثيثة مع العديد من الدول والحكومات الأجنبية والعربية المانحة، لمواصلة تأمين تمويل عملية نزع الألغام لعام 2009. من دون تلقيها أي ضمانات بشأن هذا الموضوع». ولفتت إلى أنه بناءً على قانون العمل اللبناني «اضطرت المنظمة إلى إنذار العاملين لديها بصرفهم من العمل بعد شهر من الآن، نظراً لنقص التمويل اللازم». وعلم أن خمس شركات ومؤسسات تعمل على نزع الألغام في لبنان توقفت عن العمل خلال الثلاثة أشهر الماضية منها UNMACC; HI; FSD فيما توقف 13 فريقاً في منظمة «باكتيك» عن العمل من أصل 16 فريقاً بسبب عدم توافر التمويل المطلوب.
ويرى رئيس بلدية يحمر قاسم عليق أن إيقاف «ماغ» عملها في يحمر «يعني ترك الناس لمصائرهم أمام الخطر المفتوح من القنابل العنقودية التي غطت ثلث يحمر في عدوان تموز 2006». ويوضح أن الفريق «يعمل في يحمر منذ غداة وقف إطلاق النار في آب 2006، ولم يزل حتى اليوم ينظف القنابل العنقودية من بين البيوت والحارات؛ لقد نظف معظمها وهذا الأمر هو بمثابة رسالة اطمئنان إلى الناس الذين كانوا يستنجدون بفريق «ماغ» لحظة اكتشافهم القنابل في حقولهم وكرومهم، وخصوصاً أثناء الحراثة أو قطف المواسم؛ فضلاً عن أن منطقة شاسعة بين حدود البلدة الجنوبية ونهر الليطاني، تتكون من الأحراج والمراعي وهي مقصد الرعيان والصيادين والمتنزّهين، لم تزل ملوثة بمئات القنابل وربما بالآلاف منها، التي يواظب الفريق على إزالتها وتفجيرها شيئاً فشيئاً، فوق الأرض وبعمق عشرين سنتيمتراً. إن توقف عمل الفريق اليوم من دون إيجاد حلول بديلة ستكون نتائجه سلبية على مختلف الصعد، ولا سيّما أن الإسرائيليين لم يقدموا حتى اليوم خرائط القنابل التي ألقيت بغزارة على يحمر والعديد من البلدات والقرى الواقعة شمال نهر الليطاني».
وعلى نحو بلدة يحمر فإن مصير أبناء عربصاليم وعدشيت وجبشيت والزوطرين الشرقية والغربية التي يعمل الفريق في حقولها الملوثة، سيُترك لمفاجآت القنابل العنقودية التي تسببت، برغم وجود الفريق وقيامه بتنظيف الحقول والطرقات والمناطق الزراعية والحرجية، بوقوع العديد من الإصابات ضحايا لهذه القنابل. ففي بلدة عدشيت أصيب 5 فتيان بجروح خطرة جراء انفجار قنبلة عنقودية عثروا عليها في حقل قريب من البلدة بتاريخ 24 نيسان 2008.
ومنذ انتهاء حرب تموز 2006 سقط 264 مواطناً لبنانياً بين قتيل وجريح، بينهم 27 شهيداً؛ فضلاً عن إصابة 55 من العاملين في نزع القنابل، بينهم 14 شهيداً لبنانياً ومن جنسيات دولية، وبعضهم من الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة والفرق العاملة على نزع القنابل والألغام.
وفي إحصائية للقنابل العنقودية، أشارت الناطقة الرسمية باسم مركز التنسيق لنزع الالغام في جنوب لبنان داليا فران في حديث سابق إلى أن فرق التنظيف الدولية واللبنانية «أزالت نحو 152 ألف قنبلة عنقودية خلال السنتين الماضيتين. كما أن بعض المدنيين نظّفوا القنابل التي انفجر بعضها بين أيديهم فقتلهم أو جرحهم. ومن المفترض أن 12 % من الأراضي ستنظّف العام الجاري 2009، بعدما قدمت المملكة العربية السعودية مبلغ مليون دولار للمساهمة في أعمال نزع القنابل».
وقالت: «لقد دُفع مبلغ 100 مليون دولار أميركي حتى اليوم لتنظيف القنابل من الجنوب منذ وقف النار في آب من عام 2006؛ ومعظم الأموال أتت من السويد ودول أخرى ضمن صندوق الأمم المتحدة لتمويل أعمال نزع القنابل. كما جرى توفير معدات ولوازم العمل ودفع رواتب الموظفين اللبنانيين العاملين في نزع القنابل».
وأضافت: «إن سويسرا وأوستراليا قدمتا مليون دولار أميركي حتى لا تتوقف أعمال نزع الألغام في تشرين الأول الماضي بعدما توقف عمل 11 فريقاً نتيجة نقص التمويل من الأمم المتحدة». وقالت: «المطلوب 44 فريقاً حتى يتمكنوا من حل مشكلة المساحة المزروعة بالألغام والقنابل الباقية، وخصوصاً أن هناك 1061 موقعاً ملوّثاً في الجنوب ما زالت موجودةً، والمطلوب العمل عليها عام 2009، لتنظيفها من قنابل غير منفجرة تغطي مساحة 48 مليون متر مربع». وأشارت إلى أن «معظم القنابل التي أطلقتها إسرائيل كانت في الأيام الثلاثة الأخيرة من حرب تموز».