علي أبو طعام، اسم لامع في عالم تجارة الآثار، أوقفه الأنتربول الدولي الأسبوع الماضي في بلغاريا، بسبب تورطه في سرقة آثار مصرية وتهريبها. ولكن الواقع لم يلبث أن تغير... و«هرب» التاجر إلى سويسرا
جوان فرشخ بجالي
تناقلت وسائل الإعلام المصرية، بفرح شديد، خبر توقيف علي أبو طعام، تاجر الآثار اللبناني الجنسية وصاحب أكبر معارض لبيع التحف الأثرية في العالم فينكس للفنون القديمة Phoenix Ancient art. فعلي أبو طعام متهم بتورطه في سرقة 280 قطعة أثرية مصرية وتهريبها، أخذ بعضها من مخازن المتاحف. وعام 2004 أصدرت السلطات المصرية حكماً غيابياً يقضي بسجنه 15 عاماً، إذ أكدت التحقيقات علاقته وتواطؤه في تلك القضية مع طارق السويسي الذي كان يشغل منصب الأمين العام للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في محافظة الجيزة، والذي قبض عليه عام 2003 بتهمة سرقة الآثار وتهريبها. وأكد الأخير خلال اعترافاته أن طريقة شحن القطع الأثرية كانت تحصل إما باسم إحدى شركات التصدير باعتبارها أوانيَ زجاجية، أو مخبأة في شحنة حاويات للعب الأطفال وأجهزة كهربائية.
تجدر الإشارة إلى أن قضية السيوسي ورّطت أيضاً عدداً كبيراً من رجال الأعمال المصريين ورئيس دائرة الآثار المستردة محمود أبو شنب. وبعد التحقيقات، تقدم الفريق المصري بطلب إلى الشرطة الدولية «الأنتربول» لإلقاء القبض على علي أبو طعام، وأُحيل الملف إلى الأنتربول برقم 25913/2007 وصدر بتاريخ 25/5/07.
لذا كان خبر توقيف أبو طعام بمثابة انتصار للقضاء المصري، فأُعلن على لسان وزير الثقافة فاروق حسني، وأكد الأمين العام للآثار المصرية زاهي حواس «أن أبو طعام هو أحد المتهمين الرئيسيين في قضية السويسي، فتحريات الرقابة الإدارية وتحقيقات النيابة العامة المصرية أثبتت بالدليل القاطع من خلال التسجيلات الهاتفية بين المتهمين، والمسجلة بإذن النيابة العامة، أن علي أبو طعام كان يعاون طارق السويسي في تهريب الآثار المصرية خارج البلاد». وبقي لمصر أن تنتظر وصول أبو طعام إلى أرضها لتطبيق القانون عليه. ولكن بدل أن تطأ رجلا علي أبو طعام الأرض المصرية، حطت به طائرته الخاصة في مطار جنيف، وهو الآن في أمان في منزله السويسري.
فالصخب الإعلامي العربي جوبه بتواطؤ السلطات البلغارية لإخراج أبو طعام من أراضيها في أسرع وقت ممكن وبسرية تامة.
هذا ما أكده تقرير أعده صحافي هولندي ونُشر على موقع «شبكة أمن المتاحف» Museum security Network))، وأكده تقرير آخر لشبكة «أخبار صوفيا». فبحسب التقريرين وصل أبو طعام إلى بلغاريا على متن طائرة فرنسية، ولكن أحد موظفي أمن المطار، غير المدرك للحساسيات السياسية للقضية، أوقف علي أبو طعام لأنه مطلوب من الشرطة الدولية وهنا تجدر الإشارة إلى تغاضي السلطات الفرنسية عن ذلك الطلب والسماح لأبي طعام بركوب الطائرة.
وبعد دقائق معدودة من اعتقال أبو طعام في صوفيا تدخل سفراء كندا وأميركا لإطلاق سراح أبو طعام. السفير الكندي تدخل لأن أبو طعام يحمل جواز سفر كندياً، والسفير الأميركي دعم الطلب في القضية لأن أبو طعام كان قد ساعد الشرطة الفدرالية في تحقيقاتها في تهريب القطع الأثرية العراقية فدخل في لائحة برنامج الأمن القومي. وإزاء هذا الوضع، ما كان من رئيس النيابة العامة البلغارية إلا أن سمح لأبو طعام بمغادرة البلاد سراً (على متن طائرة خاصة) إلى سويسرا، بعدما صرح بأنه قيد الحجز في منزله. وما هي إلا أيام حتى أصدرت المحكمة العليا البلغارية «قرارها النهائي الذي لا تراجع عنه» بأنها لن تسلم أبو طعام إلى السلطات المصرية، معتبرة الادعاءات في حقه غير قانونية.
وفي بيان صدر قبل يومين ونشرته وكالة رويترز للأنباء، أكد محامي أبو طعام أن موكله «هو حالياً في جنيف وهو حرٌ طليق».
إنها صفعة مؤلمة لكل من القضاء المصري والأنتربول، اللذين بالتأكيد رفضا التعليق على المستجدات. كما أنه واقع يحث على إعادة النظر في أهمية القوانين والتشريعات الدولية وفعاليتها.

علي أبو طعام، ذلك اللبناني المجهول المعروف



على موقعه على الإنترنت وفي مئات التقارير الصحافية التي كتبت عنه، يصف علي أبو طعام «علاقته» بالآثار بأنها «عشق للقطع الأثرية ورثه عن والده، ونما معه لأنه ولد وكبر في بلد تتفاعل فيها الحضارات الفينيقية بالآثار الرومانية». بتلك العبارات يختصر أبو طعام لبنان دون أن يأتي على ذكر اسمه. وهو درس الهندسة المدنية في جامعة القديس يوسف في بيروت، ولكنه قرر أن يبني مستقبله في تجارة الآثار، فالتحق أولاً بوالده ثم أسس مع أخيه هشام معرض «فينكس للفن القديم» Phoenix Ancient Art)) الذي تعتبره مجلات تجارة الآثار وكتبها «مثالاً يُحتذى به». فالمعرض يعمل بفرعيه (جنيف ونيويورك) على تقديم روائع الحضارات في العالم، وقطع نادرة ينافس في اقتنائها أكبر متاحف العالم. المعرض لا يفتح أبوابه إلا لحفنة من الزبائن يزرورون صالاته بحسب مواعيد مسبقة. وعادة ما تكون القطع معروضة بحسب مواضيع معينة يتبناها المعرض، فتارة يكون العنوان «الحيوانات في العصور الغابرة» أو «المجوهرات عبر الزمن» أو حتى «الفن والصقل في مصر الفرعونية»...
وبالطبع تشارك «فينكس للفن القديم» في كل المعارض الدولية لبيع التحف الأثرية، من باريس إلى بروكسل، وتزايد «فينكس» بأنها تملك أوراقاً ثبوتية لكل قطعة أثرية تؤكد أنها مكتشفة قبل اتفاقية اليونيسكو التي تحظر بيع الآثار المكتشفة بعد عام 1970. ويزود علي أبو طعام «زبائنه» بتلك الأوراق ويعطيهم ضمانات بإعادة ثمن القطعة إذا ما أُثبت أمام القضاء أنها مسروقة. ولكن ذلك لم ُيبق المعرض بعيداً عن قاعات المحاكم. فاسم علي أبو طعام ارتبط مثلاً باسم متحف سانت لويس في كليفلند الذي يملك غطاء مومياء مطعماً بالذهب، والحكومة المصرية تقاضيه اليوم بتهمة عرض قطعة مسروقة. وكان المتحف قد اشترى القطعة من علي أبو طعام عام 1998 بنصف مليون دولار أميركي. وكان أبو طعام قد زود المتحف بأوراق ثبوتية تؤكد أن القطعة لم تكن يوماً في المخازن المصرية، وأنها ملك خاص، فيما السلطات المصرية تملك الكتب التي تخبر عن الاكتشاف الذي جرى في موقع صقارة عام 1959 والمنشورات التي أعدها عالم الآثار غنيم الذي اكتشف المقبرة. ولا تزال المسألة متداولة أمام القضاء الأميركي، وتلك ليست القضية الوحيدة التي يمثل فيها أبو طعام أمام القضاء، ولكن مما لا شك فيه أن صلاته في عالم المال والسياسة والسلطة لا يُستهان بها. فرؤساء الجمهوريات مثلاً يزورون صالات عرضه خلال معارض بيع التحف الأثرية في باريس وبروكسل. كما أن وزارة الثقافة الفرنسية كانت قد قلدت السنة الماضية علي أبو طعام وسام «الفنون والآداب» من رتبة فارس، واعتبره وزير الثقافة «من المستنيرين الساميين العاملين على المحافظة على روائع التراث العالمي».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن منظمة اليونيسكو كانت قد حذرت من أن الإتجار بالآثار هو ثاني أقوى إتجار غير مشروع في العالم بعد المخدرات، إذ تزيد قيمة الأموال المتداولة فيه عن الـ8 بلايين دولار سنوياً، وأنها تهدد الحضارات القديمة في الدول الفقيرة حالياً. فللأسف، تُعدّ الدول الغنية بالآثار «دولاً مصدّرة» لكنوز ماضيها. أما عن الأوراق الثبوتية، فكما قال تاجر آثار مرة «حينما تتكلم الملايين تولد الأوراق الثبوتية من رحم
الماضي».