strong>بعدما تأثّر القضاء بالانقسام السياسي الذي ضرب البلاد خلال السنوات الأربع الماضية، عزّز تعيين رئيس جديد لمجلس القضاء الأعلى أملَ القضاة بتحصيل حقوقهم. الرئيس الجديد دعا القضاة أمس إلى تعزيز استقلاليتهم«فلنعطّل التدخل السياسي في القضاء»، قال رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، أمس، في كلمة افتتح بها جلسة نقاش ضمن مؤتمر بعنوان «مناقبية القضاء: بين القواعد الأساسية والتشريع» نظمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمركز اللبناني للدراسات. فالقاضي غانم، الذي أسهم بوضع قواعد للأخلاقيات الأساسية في العمل القضائي عام 2005، يرى أن النصوص القانونية اللبنانية، رغم ضآلتها، تمنح القضاة مناعة تسمح لهم بأن يكونوا نزيهين ومحايدين ومستقلين، وأن يقطعوا الطريق على أي تدخل سياسي. ويضيف: «أنا لا أعرف ما هي أسباب تدخل السياسيين بالقضاء، مع احترامي لجميع السياسيين وللمهام الملقاة على عاتقهم»، مشيراً إلى مناعة ذاتية ينبغي أن تتوفر لدى القضاة.
ينطلق غانم لمعالجة أخلاقيات مهنة القضاء من أن العلاقة بين القضاة والمجتمع الذي ينتمون إليه ينبغي أن تسودها المصالحة والمصارحة. فالمصالحة تعالج الثقة التي يقال إنها اهتزت بين الطرفين، فيما عمل القاضي ينبغي أن يكون شفافاً، فلا يخفي الأخير عن مجتمعه ما ينبغي عليه فعله. من ناحية أخرى، يرى غانم أن المناقبية القضائية لا تتعلّق بالنصوص فقط. فعندما طرحت أخلاقيات المهنة عام 2005، لم تعتمد ضمن إطار قانوني ملزم، بل في إطار وثيقة عممت على مئات القضاة. والوثيقة أكثر مرونة من القوانين، وينبغي أن يكون الالتزام بأخلاقيات المهنة نابعاً من المسؤولية الذاتية أكثر من المسؤولية القانونية. وأشار غانم إلى أن الوثيقة اللبنانية كانت موضع ترحيب في مؤتمر قضائي عقد في الشارقة بعد عام 2005، واعتمدتها هيئات التفتيش القضائي العربي.
وشدد غانم في كلمته على أربعة من أسس المناقبية القضائية، هي: الاستقلال، النزاهة والحياد، الكفاءة والفاعلية. في النقطة الأولى، ينبغي التسلّح بالمادة 20 من الدستور، مع الإشارة إلى وجود مشروع قانون لإنشاء سلطة قضائية مستقلة، تضم القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي، لكن من دون أن يبصر النور بعد. لكن الأهم أن يعيش الجسم القضائي استقلالية ذاتية قبل القانونية، تعطل محاولات التدخل في العمل القضائي.
أما في ما يخص النزاهة والحياد، فأكّد غانم أن «الأكثرية الساحقة من القضاة تنطبق عليهم هاتان الصفتان المتلازمتان». أما الكفاءة، فلا تعني الشهادة، بل التعمق بالدراسة، وخاصة في هذا العصر حيث انفتحت النصوص القانونية الرومانية ـــــ الجرمانية على مثيلاتها الأنغلوساكسونية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية. أما الفاعلية، فلا تقاس أيضاً بعدد الأحكام التي يصدرها القاضي، بل ينبغي أن يلمسها المواطن من لحظة استقباله في قصر العدل، إلى حين خروجه حاملاً حكماً قضائياً واضحاً وصريحاً.
وقبل القاضي غانم، تحدّث كل من ممثل المركز الوطني للمحاكم في فيرجينيا شيلي ليبرتو والمدير العام للمركز اللبناني للدراسات أسامة صفا. كذلك عرض التجربة المصرية في مجال تجمعات القضاة في البلدان العربية القاضي الرئيس محمود مكي، قبل أن يتحدّث القاضي اللبناني الرئيس أحمد الأيوبي عن تجربة التحرك الجماعي للقضاة، على أن يستمر المؤتمر اليوم في فندق كراون بلازا في الحمرا.
(الأخبار)