فتاةٌ تغار كثيراً، أو شريكةٌ مطيعة؟ شقراء أو سمراء؟ رغم اختلاف نظرة المراهقين إلى «الفتاة المثاليّة» تبقى تلك الخارجة من ملصقٍ إعلانيّ الأكثر شعبيّة، فيما تلعب المعايير الطبقيّة والطائفيّة دورها أيضاً. ولكنّ المراهق حين يبحث عن «فتاته» ينطلق في بحث موازٍ عن صفات رجل المستقبل الكامنة فيه
سناء الخوري
يعرّف محمد مواصفات الفتاة ابتداءً من أصابع قدميها، ويحدّد إبراهيم انطباعه الأوّل عنها تبعاً لرائحة عطرها. لا يحتار الشابان ولم يبلغا السابعة عشرة بعد، في وصف شكل الفتاة «المثالية» في نظرهما، إذ يتفقان على أنّها «طويلة ونحيفة»، فيما لا يتخيّل إبراهيم فتاته المفضّلة إلا «مرتديةً تنورة قصيرة». إنها صفاتٌ عامّة، يرتبك معظم المراهقين عندما يُطلب منهم الغوص في تفاصيلها. الفتاة الطويلة والنحيفة و«المثيرة» تحوّلت إلى ذوق عام، إلى أيقونة المرأة التي يرونها على الشاشات وفي الملصقات الإعلانيّة. لكنّ إفصاحهم عن أذواقهم الخاصّة، مسألةٌ أخرى يعتريها بعض الخجل، كأنّ الدخول إلى أحلامهم عن «الحبيبة» دخولٌ في المحظور.
«الرجّال الحقيقي لا وقت لديه للمشاعر والأحلام، يجب أن يفكّر بمستقبله»، يؤكّد علاء الذي يخطّط لافتتاح نادٍ رياضي في المستقبل. ولكن، ألا يلفته شكلٌ معيّن أو ينفر من آخر؟ لا يتخيّل مدرّب الرياضة المستقبلي نفسه «في منزلٍ واحد مع فتاة شقراء» ويكره السمراوات «لأنّه يعرف الكثير منهنّ». يريد علاء إذاً فتاةً فريدة، لا يشبه لون بشرتها الأعراق المعروفة، ويبحث «عن شبيهة للممثّلة البريطانيّة كايت باكينسايل بطلة فيلم بيرل هاربر».
يختلف الشباب في توصيف «فتاة الأحلام» على لون العينين الأجمل، على طول الشعر أو لونه الأكثر جاذبيّة. لا يحدّد أحمد معايير معيّنة لشكل الفتاة المثاليّة يعلّق «بالتأكيد جميلة، هذا أمرٌ بديهي». ومن البديهي بالنسبة لابن السادسة عشرة أيضاً ألا ترتدي صديقته اللون الأسود دائماً بل «الألوان الفرحة» وأن «لا تمسك سيجارة بيدها، فتنبعث رائحة الدخان من شعرها وملابسها». من جهته يحبّ علي الفتاة «الناعمة» التي لا «تتزنطر» في اختيار ملابسها، بل تكون«naturelle، مثل نتالي مارتينيز».
ولكن ما المعيار الذي يضعه المراهق ليرى فتاةً ما جميلة؟ هل يجب أن تشبه والدته، وفق الاعتقادات السائدة عن علاقة الابن بوالدته؟ بعض الشباب يستبعدون فكرة الشبه بين الحبيبة والأمّ بشكل مطلق، فيما يميل آخرون إلى بعض الصفات الموجودة لدى أمهاتهنّ.



تفسّر الدكتورة نجلاء حمادة، أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة، استبعاد العديد من المراهقين للشبه بين الحبيبة والأمّ بـ«النظرة الاحتقاريّة والدونيّة للجنس».
ففي مجتمعنا الشرقي، «يتشرّب المراهق في محيطه شيئاً من الاحتقار لملذّات الجسد، ونتيجةً لهذه النظرة المترسّخة في عقله الباطني، تكون الأمّ ذلك المكان الطاهر والنظيف، أمّا الحبيبة بتأويلها الجنسي فتكون «محتقرة» في لاوعيه». وتضيف حمادة أنّ المشكلة تكمن في غياب التربية الجنسيّة السليمة التي «تعلّم الشاب احترام العلاقات الجسديّة بين الحبيبين وقبول نفسه كائناً جنسياً وبطريقة صحيّة». هذا من ناحية الشكل، أمّا المضمون، فقصّةٌ أخرى.
يرى أحمد الفتاة المثاليّة «فتاة تحبّني بصدق، تدلّعني وتغار عليّ كثيراً جدّاً، وتسمح لي باختيار ملابسها». هكذا بكلّ بساطة. أمّا سهيل فيطمح إلى فتاة «تحترمه ولا تخفي عنه شيئاً». من جهته، يعقّد إبراهيم المسألة قليلاً، فلا يحبّذ «الفتاة القويّة بل أفضّل أن تكون صديقتي سلسة وأن تسمع كلمتي وتطيعني، وتفهم ما أريد منها على الطاير وتنفّذ أوامري من أوّل مرّة».
تفسّر نجلاء حمادة إعجاب المراهق رغم صغر سنّه بصورة المرأة «المطيعة» بأنّه مرتبطٌ بـ«مفهوم طاعة الذكر المترسّخ في تراثنا، فلا تقع الملامة في هذه الرغبة على عاتق المراهق وحده بل على العادات التي يتشرّبها». وتلاحظ حمادة أنّ هذه المفاهيم عادت لتفرض نفسها بقوّة على عقليّة المراهقين في وقتنا الحاضر، في ما يشبه «ردّة إلى الذكورة الفجّة، فالشاب المحاط بالفشل على جميع الأصعدة الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة يبحث عن متنفس ليثبت فيه سطوته».
من جهة أخرى، يركّز المراهق على صفات لدى الشريكة تكون مقبولةً من مجتمعه وأسرته، إذ يفضّل علي مثلاً فتاةً من مستواه الاجتماعي نفسه، فيما يرفض محمد الارتباط بفتاة من طائفة مختلفة. هذا ما ترجعه حمادة إلى الخلفيّة الاجتماعيّة ـــــ النفسيّة ذاتها، «فمنذ المراهقة لا ينظر الشاب إلى العلاقة مع المرأة نظرةً سويّة تفترض فهم ضرورة العمل للوصول إلى أولويات مشتركة والصبر الذي يتطلّبه تذليل العقبات من أجل إنجاح علاقة ما».
خلفيّات كهذه لا نلحظها عند شباب آخرين، فبالنسبة لأحمد لا يمثّل الدين عائقاً إذا كانت «الفتاة شاطرة ومهضومة وOut going تحبّ السهر والمشاوير». علاء أيضاً لا يفكّر بالعوائق الاجتماعية شرط «ألا تكون الفتاة مزاجيّة بل تدعمني وتقف معي وتساعدني في حلّ مشاكلي». أمّا علي فلا يريدها أن تكون «عصبيّة وكذّابة أو تتلاعب بعواطفه». كما تستفزّ الفتاة المغرورة شربل «وكلّما كانت مغرورة أكثر، كلّما زدت أنا من اعتدادي بنفسي أمامها، شو تكسير راس؟!» وهنا تلفت حمادة إلى أنّ «مفهوم جيل المراهقين الحالي للعلاقة بين الجنسين، ينحو إلى تفسيرها كشيءٍ من الاستغلال والابتزاز العاطفي والعداوة، عوضاً عن الودّ والألفة والشراكة».


بعض المراهقين ينفرون من الفتاة الذكيّة أو المميّزة، ويميلون إلى الفتاة الـ«عاديّة». السبب في ذلك بحسب حمادة هو عدم الثقة بالنفس، إذ يخشى الشاب فتاةً تنافسه ويخاف من إعجاب قد يتحول إلى حب، وهذا يعود إلى ثقافة مترسّخة في لاوعينا الجماعي تقول بأنّ العاشق ليس رجلاً بكلّ معنى الكلمة.