نسمّيها العادة السرية، ونغطيها بالخجل من عيون المراقبين واللائمين ومن مواعظ القيّمين علينا الصحية التي لا نعرف دقتها. بعضنا يرى هذه العادة بوابة اكتشاف للجسد، فيما يراها آخرون تعويضاً للنقص الحاصل حين يصبح كل ما يتعلق بالجنس صندوقاً مغلقاً. فما هي حقيقتها وأرقامها وآثارها؟
خضر سلامة
ألفرد كنسي متخصص في علم الجنس الحديث ومؤسس معهد الدراسات الجنسية في جامعة إنديانا. يؤكد كنسي في دراسته التاريخية الشهيرة التي شملت 17500 شخص طوال عمله المهني، أن نسبة من يمارسون العادة السرية بين الرجال هي 93 في المئة في المتوسط بين مختلف الفئات والمستويات الثقافية والاجتماعية والدينية والعمرية، و62 في المئة لدى النساء. ارتفاع النسبة بين الذكور تطرح السؤال الضروري عن هذا التابو الذي ينشأ مع الطفل حسب فرويد. مؤسس التحليل النفسي يرى أن مداعبة الطفل لأعضائه في سنواته الأولى، هي شكل بدائي من الاستمناء، ولو أنه يثير جزع الأمهات وخوفهن من مشاكل نفسية لدى الطفل، إلاّ أن الأطباء غالباً ما ينفون معتقدات الأم ومخاوفها، ويرون هذه الحركات ضرورية لبناء الوعي الإنساني الجنسي.
تُعرّف العادة السرية بأنها أي سلوك جنسي يعتمد على الإثارة الذاتية الواعية والإرادية، التي يقوم بها الإنسان للوصول إلى الرعشة واللذة بسلوك فردي دون أي اتصال جنسي مع فرد آخر. وإذا تخطينا الحديث عن العادة السرية لدى الإناث، المحاطة بسرية أكثر شدة، لا يبدو الاستمناء الذكوري سهل الكشف عنه أو الحديث في مجتمعاتنا البشرية، لعدة أسباب تتراوح بين الدينية والاجتماعية والنفسية.
حتى مطلع القرن العشرين، كان على الطلاب في المدارس الداخلية الدينية المحافظة، أن يناموا ليلاً وأيديهم فوق غطاء السرير، من أجل «تجنب اللمس»، وحتى يومنا، ونحن في القرن الواحد والعشرين، ما زال الحديث الجنسي مخاضاً عسيراً بين الأجيال أو بين الأفراد نفسهم، أو مع المختصين، وما زالت العادة السرية تخضع لمحرمات الكلام عنها أو الاعتراف بها، وتحاط بشائعات المضار والآثار الصحية المضخمة، رغم أن الجميع (حوالى 95 في المئة من الرجال) معرضون لممارستها مرة واحدة على الأقل حسب موقع الاستشارات الجنسية، الذي يجزم بأن هذه العادة تتصاعد نسبتها في فترة المراهقة ومرحلة اكتشاف الوعي للجسد (بمتوسط 3 مرات في الأسبوع). ويلاحظ أيضاً، أن هذه النسبة ترتفع في الأوساط الأكثر ثقافة، حيث يكون الفرد «أكثر اطلاعاً على حقيقة أن العادة السرية لا تؤثر مباشرة على الحالة الفيزيائية للإنسان وصحته إذا مورست بصورة مقننة».
«لا مضارّ مباشرة على الصحة الجسدية على الأقل» حسب البروفسورة في علم الجنس بريجيت مولر التي أكدت لنا أنه «يجزم المتخصصون بأن الاستمناء الدوري دون أي اتصال جنسي حقيقي، لا يؤدي إلى أي مشاكل صحية أو نفسية، إلا أن الإكثار من أي شيء فيه ضرر، ومن أضرار الإدمان الشهواني على الاستمناء، إرهاق الجهاز العصبي والتعلق بالخيال الذي يرسمه الممارس أثناء العادة، ما يؤدي إلى مشاكل في التعامل الواقعي مع ممارسة جنسية طبيعية، قد يكون من أشكالها ضعف ردة الفعل والتجاوب مع الإثارة الملموسة من الجنس الآخر، أو عدم القدرة على الوصول إلى اللذة الحقيقية التقليدية مع شريكٍ» حالة ترى مولر أنها «نتيجة التعود على التهيج اليدوي واللذة الأدنى التي يصل إليها الفرد مقارنة بالممارسة الجنسية العادية». مولر ترى «أن نصيحتنا بالتوقف عن ممارسة العادة السرية، تعني تلقائياً ايجاد البديل»، وتضيف: «الرجال البالغون بحاجة إلى ممارسة الاستمناء مرة على الأقل شهرياً في حال غياب الممارسة الجنسية الدورية، منعاً لتصلب الأجسام الكهفية الموجودة على غشاء العضو التناسلي».
المخاطر النفسية تختلف حسب الأعمار، «فبينما تظهر الآثار النفسية في المراهقة بأشكال الاكتئاب وجلد الذات والندم وفقدان الثقة بالذات بسبب هذه التقنية والخجل أمام عيون الآخرين أو الصدمات النفسية الشديدة في حالة الاكتشاف المفاجئ للأهل لعادة ابنهم» تتحول هذه الآثار لدى الأكثر تقدماً في العمر إلى «إدمانٍ نفسيٍ لا يشبعه الزواج، ما يؤثر على هذه المؤسسة». أما في عمر الشيخوخة، فهي «تعبير عن الشعور بالضعف والوهن والحاجة إلى الانزواء» حسب الطبيب النفسي كريستيان باليتشو الذي يتحدث عن «ضرورة معالجة الأسباب لا النتائج، وهذه الأسباب غالباً ما تكون بسبب الحاجة الطبيعية للممارسة الجنسية، والفراغ الحاصل في مجالات الترفيه لدى المراهقين وحرج الأهل وترددهم أمام التواصل الحواري الجنسي الضروري»، ولدى البالغين تكون «إما نتيجة انعزالهم أو ضعف شخصيتهم أو مشاكلهم العاطفية» التي تتبلور في صورة جنسية، يحكمها التردد عن الحديث عنها أو مراجعة المختصين، والحلول برأيه، هي في الأغلب تكمن في الإرادة البشرية نفسها، لكون الاستمناء عملاً إرادياً. وبعد توافر الإرادة، يأتي دور إخراج التفكير الجنسي من أوليات الفرد، والبحث عن ترفيهات أخرى. أما في الحالات المرضية الشديدة، فعندها يجب مراجعة الأطباء المختصين.


وقفة

سكوت... إنها خطيئة!



ماري تيريز بصير
«هل تمارسون العادة السرية؟» سؤال طرحناه على مراهقين ينتمون إلى مجموعات ثقافية واجتماعية متنوعة، كما ينتمون إلى مناطق لبنانية مختلفة. تشابهت ردود الفعل الأولى على هذا السؤال، استغربوا، أكدوا أن السؤال لا يُطرح عليهم، أنه لا يمثّل مادة لنقاشات الأصدقاء والإخوة، ولا يُحكى عنه ضمن العائلة الواحدة. زياد (16 عاماً) قال أنه يشعر بذل «وتنهار معنوياته» بعد ممارسة العادة السرية، ويحس بأنه لا يريد أن يكلم الآخرين، لا يرد على اتصالات صديقته، وفوجئ عندما شرحنا له بأن هذه الممارسة أمر طبيعي، وكان يعتقد أن هذه العادة تجعله يفقد كمية كبيرة من الحيوانات المنوية، وأنه قد يصبح عقيماً. والأغرب أنه يعترف بأن معلوماته ليست مستقاة من مصادر علمية، بل هي استنتاجات حاكها من تحليلاته الشخصية.
جاد (16 عاماً) هو «جغل» الحارة، حريص على إظهار أناقته ورجولته و «انفتاحه»، مهذب في حضور الفتيات. العادة السرية بالنسبة إليه تعني «ضعف السيطرة على النفس»، قد يمارسها ـــ مرغماً ـــ مرة كل ثلاثة أشهر. الكلام مع الشبان يشعرك بأن «العادة السرية» من المحرمات، خطيئة لا يجوز الاعتراف بها.
يكتشف معظم الفتيان والفتيات هذه اللذة الأولى المصحوبة بالعيب والخوف من جرّاء ذواتهم، إذ من النّادر جدّاً أن يحصل كلام تعليميّ تثقيفيّ مع أحد أفراد العائلة أو المدرسة الّتي تكتفي بشرح الوظائف الإنجابية للأعضاء التّناسلية.
إلى ذلك، يُعدّ الشارع والأصدقاء المرجع الوحيد أحياناً في جمع المعلومات عمّا يحصل من تغييرات فيزيولوجية تطال الجسم الصغير المتحوّل والعقل «المرتبك» والخائف من أمور جديدة ومجهولة.
تبدأ القصّة حين يلاحظ بعض الفتيان تغييرات في حجم العضو الذكري، وعند رؤية مشاهد جنسية على التلفزيون، أو عند التّفكير في بعض الأمور الخاصّة بالفتيات، ويذكر البعض ألماً قليلاً مصحوباً باللّذة عند ملامسة عضوهم. أمّا المفاجأة الكبرى، فتكون عند اكتشاف الحلّ وغالباً عن طريق الصّدفة البحتة. عندها تتنوّع ردّات الأفعال ما بين الخوف من أن يكون الأمر مرضيّاً ومؤذياً، وبين الاكتشاف الممتع للعادة كأنها لعبة جديدة.
يؤمن بعض الشّبان بأن الوظيفة الوحيدة للعادة السرية هي التعبير عن النزعة الجنسية بطرق ملتوية تعويضاً عن نقص العلاقة الطبيعية بين الجنسين، أي «تصريف أعمال» بانتظار الزّواج أو الفرصة الملائمة لإقامة علاقة عاديّة.
أمّا الفتيات، فتنفي بعضهنّ اكتشاف العادة أو ممارستها، لكنّ البعض الآخر يشعر بالحياء والخزي و«الوسخ»، اذ يشعرن بأن ما يقمن به لبلوغ اللذة وحدهنّ مناف للدّين والأخلاق، إلى ذلك، تخاف بعض الفتيات من تأثير العادة السريّة على عذريّتهنّ وبالتّالي على «النّصيب» مستقبلاً.
ريما (25 عاماً) من أسرة متدينة، عاشت لمدة خمس سنوات علاقة حب تصفها بـ«العاصفة»، لكنها تسأل «ماذا يفعل المرء عند ممارسة العادة السرية؟»، أما نسرين (23 عاماً) فهي نموذج للفتاة اللبنانية التي تهتم كثيراً بمظهرها، تحرص على أن تبدو «SEXY» دائماً. كانت نسرين تتحاشى الكلام عن «العادة السرية»، وتعترف بأنها تمنع نفسها من ممارسة هذه العادة «خوفاً من أن تأتي بحركة مؤذية» فتفقد العذرية.
طارق (17 عاماً) من عائلة علمانية، إنه نموذج مختلف عن أصدقائه، «سأتزوج فتاة بعدما أقيم معها علاقة جنسية» يردد دائماً، ويروي أن أقاربه من الرجال حدثوه عن العادة السرية، رغم ذلك يعتبر طارق أن «العادة أمراً ليس جيداً، ولكنه يمارسها في انتظار إقامة علاقة مع حبيبة ينتظرها».
ختاماً، يبقى من الصعب الحديث في أمر العادة السّرية عند الشّبان اللبنانيين، من كلّ الأعمار، حتّى لو بلغ التطوّر والتقدّم الفكري أوجّه، إذ إنّ الأنا العليا في لاوعينا الفرديّ تضيّق خناقها وتعمل كمصفاة تحدّد المقبول من غير المقبول وتلجم حتّى أكثر النزعات عنفاً وإلحاحاً.


قضية

لا حاجة إلى التذكير بأن العادة السرية، التي يخاف من الاعتراف بها الفرد، هي من الممارسات التي يخفيها في أدراج الخصوصية، وتحيط بها الشائعات المتوارثة التي تزيد من إحراج المرء في ممارستها أو البوح بها، بل تزيد من شعوره بالذنب وتعذيب الضمير والندم، وتحاصره باللوم، دون تقديم حلول، أو حتى توعية جنسية حقيقية في عالم أصبح يكسر محدودية الاطلاع الإنساني منذ الطفولة على المواد الجنسية بمطرقته الإعلامية والاجتماعية.
في كتابهما «قصة الخوف الكبير، الاستمناء» يشرح جون ستينغرز وآن فان نك التطور التاريخي لقضية الاستمناء، حيث يعيدان «العقد الاجتماعية» المتعلقة بالعادة السرية إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. في ذلك الوقت سادت النصائح الطبية الخاطئة التي نشرت فكرة أن الاستمناء يؤدي إلى العقم والأعطال الجنسية وإلى مشاكل صحية أخرى في النظر والسمع والعظام وغيرها.. هذه الأفكار أنشأت ما يسميه الكاتبان «الفزع الكبير» الذي توارثته الأجيال من الاستمناء، وأحاطتها بقيود الكتمان والسرية والشائعات الطبية المغلوطة.
وبالطبع فإن العادة السرية في المجتمع العربي تحاط أيضاً بالنظرة الخاطئة إلى الجنس، بل يمكننا الحديث عن النظرة الاحتقاريّة والدونيّة للجنس في مجتمعاتنا. وهي النظرة التي لا تزال تحكم مخيلات الغالبية العظمى، وذلك رغم ارتفاع نسبة المتعلمين في العقود الأخيرة.