أصدر وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قراراً يقضي بتكثيف الحملة الأمنية لحجز الدراجات النارية المخالفة. خطوة تستحق الإشادة، وخصوصاً أن عدد القتلى الذين خلّفتهم حوادث الدراجات قد فاق خلال العام الماضي المئة قتيل. ولكن، هل أخذ الوزير في عين الاعتبار الآلية التي تضمن عودة الدراجة نفسها إلى الشارع بعد سنة من احتجازها لتحصد عدداً جديداً من القتلى؟
راجانا حميّة
فجأة، يعج الحيّ بعناصر قوى الأمن وكأنهم هبطوا من السماء. تحضر آلية عسكرية يترجّل منها عناصر ينصبون حاجزهم بسرعة البرق. يراقب الشاب من على شرفته حركة العسكر. لا يعرف لماذا «اجتاحوا» حيّه. ولكن الدراجة التي توقفت للتوّ أمام الحاجز جعلته يدرك ما يحدث، ليشكر الصّدف التي جعلته موجوداً في المنزل، ودراجته في المرأب!
ينتهي اليوم الأمني. يطلب آمر الدورية من عناصره لملمة حاجزهم الطيّار، ثم يغيب لبرهة يعود بعدها بابتسامة. يبدو أنّ «غلة» اليوم كانت مرضية، يختمها بدعوته «يلّا شباب، بيكفي لليوم، غداً يوم آخر».
إذاً، غداً يوم آخر. فبعد قرار وزير الداخلية زياد بارود تكثيف الحملة الأمنية لحجز الدراجات المخالفة، من المؤكد أن الغلّة ستزداد ازدياداً جنونياً، بعدما وصلت في الأيام الأربعة التي أعقبت صدور القرار إلى 840 دراجة، ما يعتبره المستشار الأمني لبارود الكولونيل بيار سالم «إنجازاً رائعاً». غير أن ما اعتبره الرجل إنجازاً، لن يكون جديداً في سجلات مفارز السير المكلفة قمع المخالفات، وخصوصاً أن عدد الدراجات المحجوزة وصل في حملة 15 أيلول الماضي إلى حوالى 6 آلاف. وهنا يجوز التساؤل عما يميّز القرار الجديد. فبم ستختلف هذه «الطبعة» عن الطبعات السابقة؟ هل ستتبع الوزارة آلية جديدة لحجز الدراجات المخالفة وتلفها؟ أم سنعود إلى الأسلوب الذي ينتهي دائماً بنتيجة عودة الدراجة المحجوزة إلى السوق؟ فأحكام المادّة 7 من المرسوم المعدّل رقم 8949 تاريخ 1974 تنصّ على طرح أية سيارة أو دراجة مضى على حجزها بين سنة وسنتين للبيع بالمزاد العلني.
لكن، قبل الوصول إلى المزاد الذي تباع بموجبه الدراجات المخالفة بورقة شرعية، ثمة طريق طويل تسلكه الدراجات المحجوزة من لحظة الحجز إلى البيع. فعندما تُحجز الدراجة، يُحرّر رجل الأمن المخالفة بثلاثة محاضر، للمخالف ولمفرزة السير ولمحكمة السير التي تُصدر الحكم. وهنا، يشير الشرطي علي زيون إلى «أن المفرزة تتلف الدراجات التي لا يملك أصحابها أوراقاً ثبوتيّة في فترة أقصاها 24 ساعة». لكن، حتى هذه الخطوة لم تتم في الحملات السابقة كما ينص القانون، حسبما قال لـ«الأخبار» مدير «مرأب الشحرور»، غسان بدران. وفي الحملة الحالية، لم يتم حتى الآن الاتّفاق على آلية التلف، بانتظار أن تنهي اللجنة المكلفة من الوزارة دراسة الملف.
وبعيداً عن قرار التلف المعلق، ثمة قرار آخر يقضي بحجز الدراجة مدة تتراوح بين شهر وسنة. «ففي حال عدم امتلاك صاحب الدراجة رخصة سوق أو أنه لم يدفع رسوم الميكانيك، تتخذ محكمة السير قرارها الجزائي بتحديد قيمة الغرامة التي يجب على المخالف دفعها في فترة أقصاها شهر، تبدأ من تاريخ صدور الحكم، إضافة إلى إلزامه باستكمال مستنداته قبل انقضاء عام على الحجز» بحسب ما يشير أحد موظّفي محكمة السير في بيروت. وهنا، يشرح الكولونيل سالم أن «مفرزة السير تسلّم الدراجة إلى مرأب الحجز لقاء إيصال يحررها من المسؤولية»، ويتطرق إلى آلية تنفيذ الحكم «الذي يحرم مالك الدراجة من استرجاع دراجته إذا لم يسجلها قبل مرور عام، لأنه إذا لم يسأل عنها فمن حق دائرة التنفيذ التابعة لوزارة العدل تخمين سعر الدراجة والإعلان عن مزاد علني لبيعها، بناءً على طلب صاحب المرأب».
ولما كان الحد الأدنى لرسوم تسجيل الدراجة يتخطى 150 ألف ليرة، يضاف إليها رسم دفتر القيادة الذي تبلغ قيمته 400 ألف، و75 ألفاً بدل تأمين، فغالباً ما يتنازل المخالفون عن ممتلكاتهم، إذ يفضلون خسارة مئة ألف ليرة مثلاً، وهو ثمن مفترض للدراجة، بدلاً من دفع 625 ألفاً لتسجيل الدراجة.. وغرامة.
إذاً، لا مفر من المزاد العلني. لكن الطامّة الكبرى هنا أن لا أحد يستطيع منازلة صاحب المرأب. ففي جميع الحالات، سيرسو عليه المزاد وفق قاعدة «أنا أو لا أحد»، بحسب بدران أيضاً. فلا أحد يستطيع شراء دراجة خمّنتها دائرة التنفيذ بـ10 دولارات على اعتبار أنها «للكسر غير صالحة للاستعمال»، ووصل سعرها بعد 400 يوم من حجزها إلى حوالى 400 دولار أميركي! أما كيف وصلت إلى هذا السعر؟ يشير بدران إلى أن «المرأب يتقاضى عن كل يوم حجز ما معدله 1500 ليرة، لتصل قيمة بدل الإيجار بعد عام إلى هذا السعر، تُضاف إليه قيمة التخمين». ليس هذا فحسب، فقد يضاف مبلغ آخر يحدّده صاحب المرأب، وهو «بدل إيجار البلاطة»، أي الشاحنة التي تنقل الدراجة إلى المرأب! أما القيمة، فتعود بكاملها إلى صاحب المرأب، ويُقتطع منها 5% «بدل دلالة» للبلديّة التي يقع المرأب ضمن نطاقها، وجزء آخر للدولة... وهديّة أو «حبّة من البضاعة» أي دراجة محجوزة، لرجل الأمن الذي يوصلها.
400 دولار و«شوي». ولم ينته كلّ شيء. فصاحب المرأب يعيد بيع الدراجات «بمخالفتها»، مع فارق أنه يزوّد المشتري بإيصال شرعي مختوم من مفرزة سير المنطقة، يكون بمثابة أوراق ثبوتية للدراجة، تخوّله استخدامها إلى أن يقرّر تسجيلها. أما عن المدعوّين إلى المزاد فحدّث ولا حرج. فبحسب القانون، يُفترض أن يحضره مأمور دائرة التنفيذ وممثل عن البلدية، بينما تترك دعوة الباقين لصاحب المرأب، وهم لا يتعدّون في غالب الأحيان «الزوجة والأخ ...»، حسب صاحب أحد محال بيع الدراجات، علي عساف، الذي لم يحظ يوماً بـ«بيعة مزاد».
لمصلحة من كل هذا؟ يقدّر بدران أن «الرابح الأول هو صاحب المرأب ومن ثم أصحاب محال بيع الدراجات». مهلاً، ثمة رابح ثالث، هو بعض رجال الأمن، الذين قد يجنون في حملة أمنية مكثفة كتلك، ضعف رواتبهم الهزيلة كما يقول صاحب أحد المرائب في الضاحية محمد سعد. ولعلّ الربح الأكبر يجنيه هذا الرجل عندما تواجه مرائب الحجز أزمة تخمة، فهنا قد «يسعف الحظ البعض» في إيجاد مرائب جديدة وحراس قضائيين جدد والحصول على «حبّة نضيفة» زيادة.


كيف تمتلك مرآباً؟