بيسان طي«معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» عاد في دورة جديدة. عميد المعارض العربية من أبرز المواعيد الثقافية على أجندة بيروت، الكلام عنه يحتاج إلى صفحات طويلة، وما يهمنا في هذه الصفحة بالذات، هو تلك المساحة التي يخصصها للأطفال، والآخذة في الاتساع.
لن نغوص حالياً في تقييم لكتب الطفل الصادرة باللغة العربية، لكن عدد هذه الكتب ليس بقليل، أما النشاطات الموسيقية والتربوية التي يتضمنها برنامج المعرض فهي تستحق وقفة وتقديراً. ولكن السؤال الذي يلح علينا يتناول مدى تجاوب الأهالي مع هذه النشاطات. خيار المطالعة لا يتخذه الطفل وحيداً، يحتاج بذلك إلى تشجيع من والديه، ومن مدرّسيه، وفق سلوك يومي يعزز أهمية القراءة بين النشاطات التي ينفذها الطفل وأبواه. يصعب أن يقرر الولد وحيداً شراء الكتب، يصعب أن يفهم أهمية المطالعة إن لم يرَ والديه يمارسانها بحب كل يوم. لسنا هنا في صدد تكرار كلام منمق عن فوائد المطالعة، بل إن متابعة للأخطار التي تلحق بالطفل بسبب سلوكيات الأهل تدفعنا إلى التشديد مرة أخرى على أهمية دفع الأهل إلى توسيع آفاقهم، وهي دعوة موجهة أولاً إلى حملة الشهادات الذين يعتقدون أن الشهادة الجامعية التي حصلوا عليها تحصنهم من أي خطأ «فكري».
نحن أبناء جيل كبّله التلفزيون، فصادرت محطاته رغبتنا بالمعرفة، وصادرت قدرتنا على التحليل والنقد، فلم نعد نفكر بسلوكياتنا تجاه أولادنا، نفرض عليهم عادات بالية اعتقدنا أن «الشهادات»، مرة أخرى، حصّنتنا منها، ونفرض على أولادنا عوالم ضيقة، نعتقد أن انتماء هذه العوالم إلى علب صغيرة، أي الشاشات، هو ما يجعلها واسعة، ولا ندرك أننا نغرق أنفسنا وأولادنا في «نمطيات» تقتل أية قدرة على الإبداع والتفوق.
معرض الكتاب هو فرصة جديدة لإعادة طرح الأسئلة عن عادة القراءة، لماذا ننصب لها العداء؟ لماذا لا ندفع أولادنا إلى ممارستها؟
يحضرني في هذا المجال الجواب المكرر عن أسئلة تُطرح على أي لبناني عن هوايته، فيرد أولاً «المطالعة»، رغم أن الجميع يُدرك أن القراءة باتت هواية قلة في بلادنا، لكن البرستيج يفرض علينا الظهور بصورة «المثقف»، المطالعة كلمة جذابة، وما دام كثيرون منا عاجزين عن تحقيقها، فليشجعوا أولادهم على ذلك ولو من باب «البرستيج»، وليذهب بنا هذا البرستيج إلى وسط العاصمة، إلى مقر البيال تحديداً.
لو كان الطبيب العنيف قارئاً نهماً فهل كان سيوجه عبارات التقريع والتقزيم إلى المعالجة النفسية؟ لو كان كل مهندس وأستاذ واختصاصي تغذية و.... يعشقون المطالعة لعرفوا كيف يطورون أداءهم في العمل وداخل أسرهم؟
لو كانت كل صحافية ومحامية وخبيرة المختبر و... ممن يمارسن هواية المطالعة لتنبهن إلى أن العالم الداخلي الذي يحملنه عبئاً عن سنوات طفولتهن، ليس هو العالم الوحيد الذي يحدد علاقتهن ببناتهن، وأن الدنيا الواسعة تعج بالاحتمالات والأسئلة والتغييرات التي يجب أن تغني هذه العلاقة، فلا ترث الصغيرة هواجس الأم وأسئلتها، بل تكون الأم محفزاً للتعرف إلى أسئلة جديدة، والحضن الذي يعرف كيف يعطي أجوبة دقيقة أو يساعد الأولاد على تلمس طريق البحث عن الإجابات...
الأسوأ أن سلوكيات المتعلمين وحملة الشهادات بعيدة كل البعد عن أنماط وسلوكيات تطوّرها المطالعة.