اعتباراً من1/1/2009، أي بداية الشهر الأول من السنة المقبلة، يتولى الجيش اللبناني كل أعمال برنامج نزع الألغام والقنابل العنقودية في الجنوب، بعد أن شاركته فيها الأمم المتحدة طوال 8 أعوام بموجب اتفاق تفاهم بينهما. هذا التولّي يطرح العديد من التساؤلات عن آلية العمل المقبلة وما قد يعوقها، والهواجس تجاه توفير التمويل الكافي لمتابعة العملية حتى الإزالة الكاملة للألغام
صور ــ آمال خليل
كاد نفاد ميزانية البرنامج الذي أعلن عنه مكتب التنسيق التابع للأمم المتحدة في شهر آب الفائت، وهدد عمل ثمان وثمانين فرقة دولية تعمل تحت إشرافه، أن يعجّل في تسلم الجيش، قبل أن تسد السعودية العجز في التمويل منذ حوالى أسبوعين، وتموّل صندوق الأمم المتحدة لنزع الألغام بمليوني دولار سيمكّن البرنامج من استكمال عمله المقرر حتى نهاية الشهر الجاري.
وقبل عام، أقرّت الحكومة السياسة الوطنية للأعمال المتعلقة بنزع الألغام التي تنظّم عمل المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام التابع للجيش اللبناني. الخطة الخمسية الطويلة الأمد الممتدة من العام الجاري حتى عام 2012 شملت آليات أعمال التنظيف والتوعية من مخاطر الألغام ومناصرة ضحاياها، وذلك بالتعاون مع وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية والهيئات الأهلية المعنية. وبموجب الخطة، باشر المركز الإعداد اللوجستي والتقني لتسلّم المهمات المنوطة بفريق الأمم المتحدة لنزع الألغام وفق خطة انتقالية بدأت منذ شهر آذار الفائت. ومن المقررات تحويل مركز التنسيق التابع للأمم المتحدة إلى مركز إقليمي لنزع الألغام بإدارة الجيش اللبناني. المركز الذي سيشرف على مناطق الجنوب والشوف، سينتقل مقرّه من مدينة صور إلى النبطية، وسيباشر عناصر من الجيش أعمالهم بالتعاون مع ثلاثة عشر خبيراً من فريق الأمم المتحدة من المقرر أن يشرفوا على عمل المركز خلال عام 2009 ويقوموا بتدريب كوادره. ويتولى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركة «داين كورن» الأميركية تزويد المركز بالعتاد الفني لكشف الألغام والأجهزة والآليات.
ويكشف المقدم محمد الشيخ من المركز لـ«الأخبار» أن الجيش «يفترض استكمال أعمال تنظيف الأراضي الملوّثة بالقنابل العنقودية بحلول نهاية العام المقبل، انطلاقاً من أنه تم تنظيف سبعة وسبعين في المئة منها حتى الآن». ومن بين الفرق الثماني والثمانين العاملة، ثلاثون فرقة من المقرر أن تستمر في العمل تحت إمرة الجيش اللبناني خلال العام المقبل. وبموجب مذكرات التفاهم بين الطرفين المعتمدة منذ بداية عمل البرنامج، فإن الجيش يتولى توزيع عمل تلك الفرق جغرافياً ويزوّدها بملفات الأراضي الملوّثة وخرائطها. وقبل البدء بعملها، يقوم الجيش باختبار كفاءة عناصرها، ثم تقويمها ميدانياً باستمرار عبر أحد ممثّلي المركز الذي يراقب عملها ويصنّفه وفق المعايير الدولية. وعند إنجاز الفرقة تنظيف الحقل المطلوب، يقوم فريق «أخذ العيّنات»، المؤلف من ضباط من فوج الهندسة، بالكشف على الحقل مجدداً للتأكد من نظافته من الألغام وفتحه أمام العامة.
من هنا لا ينكر الشيخ أن الجيش اللبناني يتحمل مسؤولية القنابل التي قد تكتشف في الحقول التي أعلنت نظيفة، لكنه لا يغفل عوامل أخرى ستكون، لو حصل الأمر، بمثابة «أسباب تخفيفية». على سبيل المثال «الأمطار والسيول التي تنقل القنبلة من حقل ملوّث إلى آخر نظيف».
وبالنسبة إلى الذخائر غير المنفجرة التي قد توجد تحت الأرض بعمق ما دون 20 سنتيمتراً، وهو ما لا تكشفه آلة التحسّس، فإنها «بحاجة إلى جرف لا يمكن القيام به دائماً بسبب ضعف الإمكانات المتوافرة وممانعة بعض أصحاب الأرض».
ولكن ماذا عن تمويل البرنامج؟ بالنسبة إلى المركز اللبناني، فإن الحكومة تصرف له سنوياً حوالى 5 ملايين ونصف المليون دولار هي جزء من موازنة وزارة الدفاع الوطني.
وبما أن الجيش سيدير البرنامج من دون الدخول في تمويل الفرق المنضوية معه في نزع الألغام، فإنه بات على المنظمات الدولية العاملة أن تعتمد على جهدها الخاص في توفير التمويل، وخصوصاً بعد إيقاف الأمم المتحدة برنامجها في الجنوب، والتي كان صندوقها الخاص بنزع الألغام يسهم في تمويل بعض الفرق.
وفيما تحظى المنظمات الحكومية بتمويل من حكوماتها، مثل النروج والدنمارك، فإن معظم المنظمات الأخرى تعتمد على الهبات والمساعدات التي تخضع بدورها لاعتبارات مختلفة. ويقرّ الشيخ بأنه «لا أحد يمكنه ضمان استمرار تمويل فرق نزع الألغام في لبنان بالنظر إلى تدخّل السياسة في توجيه دعم الدول المانحة، بالإضافة إلى منافسة عدد من برامج نزع الألغام، في جورجيا والعراق وتشاد والسودان على سبيل المثال، للبرنامج اللبناني أمام المموّلين».
واقع يفتح الباب واسعاً أمام تكرار الأزمة المالية التي عصفت ببرنامج الأمم المتحدة وهددت عمله لولا تجدّد التمويل. وإذا تكررت الأزمة وتوقفت الفرق عن العمل وبقي الجيش وحيداً في الميدان الملوّث بالقنابل العنقودية والألغام، فإن المركز، بحسب الشيخ، «سيعتمد على قدرات فوج الهندسة الذي يُعتبر العمود الفقري لعمليات المسح والتنظيف بالمقارنة مع حجم عمل كل الفرق الأخرى».
على سبيل المثال، حتى أيار الفائت، نزع الجيش حوالى 63 ألف قنبلة عنقودية، فيما نزعت الفرق الأخرى مجتمعة أقل من 52 ألف قنبلة.
الأرقام تفجّر تساؤلات عن جدوى كثرة الفرق العاملة التي يبدو، بحسب إحصاءات الجيش، أنها لا تعمل بحجم الأموال التي تتلقّاها والنفقات التي تصرفها. حقيقة لا ينكرها الشيخ، لكنه لا يفصح عن مسبّباتها.