عمر نشّابةأزال مصطفى، أمس، صورة الشيخ سعد الحريري من واجهة مطعمه الصغير في رأس بيروت، بعد أن كان قد رفعها عشية 14 شباط 2005. «خلص يا عمر... أكلونا السوريّين». تلفزيون المستقبل الذي لم يتوقف يوماً عن البثّ في زاوية المطعم، يبثّ اليوم أخباراً لا تشبهه. فالحقيقة التي كان قد أعلنها المستقبل عبر برنامجه البوليسي خلال حقبة الثعلب الألماني باتت تشبه حلقة من مسلسل مكسيكي. انتظر المشاهدون الحلقة التالية طويلاً، لكنها لم تُبثّ. «الأميركان والسوريين اتفقو علينا يا عمر! قتلولنا اياه واتفقو علينا!».
وفي مكان يبعد أمتاراً عن مطعم مصطفى، يغرق الشيخ سعد الحريري في بحر من المستشارين الطامعين بماله. ولا يسأل أحد كم كلّفته الاستشارات السياسية والعسكرية التي شجّعته على اتهام سوريا بقتل والده قبل انطلاق التحقيق الدولي الذي ما زال حتى اليوم غير مكتمل؟ وكم كلّفه الهجوم على المقاومة بوجه العدو الإسرائيلي؟ وكيف سمح مستشاروه الإعلاميون الأشاوس بأن تطلق الفاينانشل تايمز، إحدى أبرز الصحف الغربية، لقب «بلاي بوي» عليه، بينما اتهمته مجلة «نيو يوركر» العريقة بتمويل الإرهاب؟ وكيف سمح مستشاروه الأمنيون والعسكريون، الذين تقاضوا من ماله الملايين بحجة حمايته، بأن يحاصر بالسلاح في بيت والده ولا يخرج منه إلا إلى الدوحة حيث صافح محاصريه. «بسّ يا عمر... المملكة العربية السعودية لا تتخلّى عن أبنائها»، قال أحد مستشاري الرئيس الشهيد، ثمّ نصح بعدم نشر ملاحظات مهنية على آلية تحقيق العدالة. لا يُفهم الربط بين الرسالتين ولا يوجد في كلّ أنحاء السعودية محكمة تعمل وفق المعايير القانونية المعتمدة دولياً.
منذ أيام شاهدت عائلات رأس بيروت والملا وطريق الجديدة وعائشة بكار والبسطة ورأس النبع رئيس الجمهورية ووزير الإعلام ووزير الثقافة ووزير الداخلية وقائد الجيش يصافحون من اعتبروا عبر الشاشة نفسها، قتلة رفيق الحريري...
لا بديل من تمدد الانهزامية. لكن، هذه المرّة، تتحوّل الانهزامية إلى تراجع جارح وتطرّف صامت وتفكّك مدمّر في صفوف المجتمع.