أستاذة الأدب الإنكليزي تحبّ طلابها مثلما الكاتبة تحبّ شخصياتها... هي التي اقترن اسمها بالعمل الأكاديمي الجاد، كما اشتهرت من خلال أعمالها الأدبيّة. في روايتها الجديدة «فرج»، تلقي صاحبة «غرناطة» الضوء على حركات الطلاب خلال السبعينيات بين القاهرة وباريس

دينا حشمت
عندما تراها في روب الأساتذة الرسمي في جلستها الحاسمة على منصة لجنة تحكيم دكتوراه وهي تقوم بتشريح نص لا شكّ في أنّها قرأته بتأنٍّ لتلقي ملاحظاتها ببلاغة أخّاذة، ترى أمامك أكاديميةً بارعةً واثقةً من نفسها: امرأة تختارها ضمن لجنة تحكيمك إذا أردت «المناقشة بجد». المرأة نفسها تستقبلك في شقّتها وسط البلد بابتسامة لا تخلو من الحياء، وتفكّر ملياً في كل كلمة قبل أن تلفظها وهي تتحدّث إليك ببطء، وبتردّد أحياناً، عن منعرجات مسيرتها الأدبية، وعن خوفها من الكتابة الإبداعية.
صغيرةً كانت رضوى تنظم «الشعر الرديء»؛ سرقت من الأم المثقّفة قصيدةً أعادت تنظيمها لتُهديها إليها في عيد الأم. في «الليسيه» الفرنسية، راحت تتفنّن في إنشاء «أوتوبورتريه» توبّخها بسببه «مدام ميشيل» لأنّها كتبت أنّها «متفوّقة وذكية بما يكفي». في بيت الأسرة، في حي منيل الروضة، لا تطّلع كثيراً على مكتبة الأب المحامي في القضايا التجارية. مكتبة تحوي مؤلّفات وكتباً تراثية، وأخرى مترجمة من مطلع القرن العشرين، والطبعة الأولى من أحد كتابَي قاسم أمين. «أكتب، وأقول لا أنفع في الكتابة. أكتب قصةً قصيرةً، ثم أعود فأكتب شعراً. عندما أقرأ لكاتب كبير، تتعقّد علاقتي مع نفسي».
لم تخرج من دائرة التردّد إلا بعدما بلغت الخامسة والثلاثين، فكتبت قصة رحلتها إلى أميركا كطالبة دكتوراه. تزامنت فترة دراستها في جامعة «ماساشوستس»، في أمهرست، مع نهاية حرب فيتنام: «سايغون سقطت وأنا في الجامعة. نظّمنا احتفالاً ضخماً في إطار أسبوع من أجل حركات التحرّر الوطني». عاشت تجربة «أميركية ومش أميركية تماماً. كنت على تماس شديد مع الأفارقة الأميركيين، ومع طلاب أفارقة وبورتوريكيين وناس من شيلي. كنّا جماعة داخل الجامعة».
عادت إلى مصر برسالة دكتوراه في «البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو ـــــ أميركية». خلال تلك الفترة تزوّجت رضوى من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي الذي كان زميلها في جامعة القاهرة، في قسم الأدب الإنكليزي. كان ذلك في عام 1970. وفي سنة 1977 ـــــ قبل توقيع اتفاقية كامب دايفيد ـــــ رُحِّل مريد البرغوثي من مصر، وظل ممنوعاً من الإقامة لمدة 17 عاماً. لكنّ رضوى صمدت، هي التي يقول عنها ابنها تميم «تصبر على الشمس تبرَد والنجوم تِدْفى»... وكانت تستغرب إن عبّر أحدهم عن إشفاقه عليها!
عاشت هذه السنوات بين مسافرة إلى أماكن إقامة مريد ووحيدة في القاهرة مع تميم. وعندما عاد مريد ليقيم في مصر، كان ابنهما تميم قد دخل الجامعة، وأصبح شاعراً، ليُثني في ما بعد على شجاعة امرأة عاشت ملاحقة النظام المصري للفلسطينيين في لحمها ودمها: «أمي اللي حَمْلَها ما ينحسب بشهور/ الحب في قلبها والحرب خيط مضفور».
في «غرناطة»، الجزء الأول من ثلاثيتها، يتضافر الحب والحرب أيضاً. «غرناطة طفت أمامي وأنا أرى القصف الأميركي لبغداد عام 1991. كان سؤال الانقراض حاضراً في ذهني. ثم بدأت أقرأ عن سقوط غرناطة، ومع القراءة تجسّدت المدينة أمامي بناسها وحكايتها».
الهم الوطني حاضر دائماً في كتابتها، بطريقة أو بأخرى. في «قطعة من أوروبا» (2003) تكتب عن قاهرة الخديوي إسماعيل التي آلفتها منذ سكنت وسط البلد. تستخدم تكنيك روايتها «أطياف» (1999) نفسه: تُدخل عملية الكتابة داخل السرد، تتساءل أمام القارئ، تُشاركه حيرة الكتابة، لحظات نشوتها ولحظات بؤسها. «أطياف» تعتمد جزئياً على مقاطع من سيرتها الذاتية.
أما «فرج»، روايتها الجديدة، فتسرد سيرة فتاة من أم فرنسية وأب مصري تعيش سنوات الحركة الطلابية في الجامعة، وهي الحركة التي لم تعِشها كطالبة. فالحركة بدأت أثناء دراستها في الماجستير، لكنها شاركت الطلبة اعتصامهم الشهير في التحرير سنة 1972 وعاصرت وجوه الحركة الطلابية، منها سهام صبري وأروى صالح، فجعلتهما محوراً من محاور «فرج».
اليوم، تنشط رضوى عاشور في «مجموعة 9 مارس» لاستقلال الجامعة. هي التي صاغت بياناً أرسلته المجموعة إلى جامعة «أكسفورد» للتنديد باستضافتها شيمون بيريز محاضراً.
في «9 مارس»، اشتهرت بمعركتها الشرسة ضد «السرقات العلمية» التي تمثّل إحدى ركائز الفساد في الجامعة المصرية. «أنا وغيري» تؤكد، أستاذة الأدب المقارن والنظرية النقدية. تفحص بحوث الترقية لدكاترة متقدّمين لدرجة أعلى. «لأنّ التهمة شديدة الخطورة، لا بد من أدلّة دامغة: بحث، أو أبحاث عدة أو فقرات كثيرة منقولة بالنص من رسالة، أو من بحث آخر. هي معروفة بقراءتها الدقيقة للنصوص، قراءة تسمح باكتشاف تفاوت غريب بين فقرة وأخرى، أو بحث وآخر. «أذكر شخصاً سرق أحد عشر بحثاً. لم أكن عضوة في هذه اللجنة، لكنّنا تعاونّا جميعاً مع اللجنة لمدة أكثر من سنة من أجل الحصول على أصول الأبحاث. بحثنا في جميع مكتبات إنكلترا، حتى أتوا بأصول الأبحاث. نحن حلقة شرلوك هولمز».
هي تحبّ التدريس. تشعر بالفرح والفخر عندما ترى أحد طلابها. تقول «أولادها» قبل أن تستدرك «يأخذ الدكتوراه ويكون فعلاً عامل شغل حلو». تحكي عن «ضعفها» تجاه طلابها، هي التي «تكتب في كار الأمومة من الكتب ألفين» حسب تعبير تميم أيضاً. على الرغم من «كوارث نظام التعليم» التي جعلتها تكره التصحيح ـــــ «عشرات الآلاف من كراريس الإجابة ترتفع من حولها أعمدة تسد الفضاء» حسب وصفها في «أطياف» ـــــ إلا أنّها تقول «دائماً ما يفاجئك أحد بإمكان التغلّب على واقع، كل مؤشراته تقول إنّ النتيجة لا بد من أن تكون سيئة».


5 تواريخ

1946
الولادة في حي منيل الروضة، القاهرة

1983
صدور باكورتها الروائية «أيام طالبة مصرية»

1994
صدور «غرناطة» التي حصلت على جائزة «معرض القاهرة للكتاب» لأفضل رواية في العام نفسه

1993
رئيسة قسم الأدب الإنكليزي في جامعة «عين شمس» لمدّة ثلاث سنوات

2008
صدور روايتها الجديدة «فرج» (دار الشروق)