العلاقة بين شقيقتين تحكمها عوامل كثيرة، ترتبط بتربيتهما تحت سقف واحد، وإن كان يغلب الحب بينهما، إلّا أن ذلك لا يمنع خضوع علاقتهما لبعض السلبيات. قد تكون إحدى الشقيقتين أقل جمالاً من الأخرى، هذا ما يجعلها عرضة لنظرات الآخرين الدونية، الأهل أيضاً يفضلون الأكثر جمالاً. سلبيات هذا السلوك كثيرة بالطبع، الغيرة ليست دائماً أحد وجوهها، فالأقل جمالاً ستكون ضحية مجتمع يعشق المظاهر

نيفين حمادة
جومانة (16 عاماً) تحس دائما بأن لا أحد يحبها، «والدي يفضل أختي التي تصغرني بسنتين؛ فهي الجميلة وأنا القبيحة، يعتقد أنها تملك ذوقاً مرهفاً وأني بلا ذوق، أنا لا أغار منها أبداً، أتمنى أن يمدحني أبي ولو لمرة واحدة في حياته؛ إنه يلقي عليَّ الأوامر والتعليقات التي تجرحني كثيراً، ويحرجني أمام إخوتي الصغار، فقدت الثقة بنفسي، وأنا متأكدة أن وضعي في المستقبل سيكون سيئاً، عندما أخرج أشعر بأن الجميع ينظرون إليّ بعيون مستهزئة»، تغصّ جومانة، تقول بتوتر «الراغبون في الزواج يسألون فقط عن شقيقتي، كأنني لست موجودة».
ايناس ر. (20 عاماً) تعترف بأنها تغار من أختها التي تصغرها بأربع سنوات، ولكنها في الوقت عينه تحبها كثيراً «فهي إنسانة رقيقة ومهذبة وجميلة، إنها صديقتي أيضاً، إنها على قدر كبير من الجمال، وهي من الأوائل في المدرسة، الجميع يلتفت إليها، ويحبها لما تملك من جمال، تُكال لها المدائح، وأنا لا أسمع أي كلام لطيف، أشعر بالضيق، أنعزل وأبدأ بالبكاء الشديد».
كلام إيناس قد يُفاجئ من يحاورها، فهي ليست قبيحة، ويمكن تلخيص مشكلتها بأن أختها أكثر جمالاً، «بل إنها ساحرة».
في معظم العائلات قد نجد أمثلة على «فارق الجمال» بين شقيقتين، أحلام تحاول أن «تشتري صداقة الآخرين وحبهم لها بالنقود والهدايا، فيتناسون شكلي وتفوّق أختي»، أمّا روى، فقد دفعت بها غيرتها إلى محاولة التشبه بأختها صاحبة البشرة البيضاء، فاستخدمت كميات كبيرة من كريمات تبييض الوجه، بعدما حاولت صغيرة أن تفرك جسدها «بالسيف» حتى سال الدم منها.
تقول الاختصاصية في علم النفس الدكتورة رلى أيوب إن الغيرة والتنافس بين الشقيقات، على الصعيد الجمالي، «يؤجّجهما المجتمع الذي وضع معايير قاسية للجمال، وأوجب على الفتيات أن يدخلن في كادر معيّن، وإلّا فسيصبحن غير مقبولات، وخاصة في محيطهن العائلي الضيق، حيث تُعطى الأهمية للأخت الجميلة، دون وعي أو إدراك من الأهل في أحيان كثيرة»، وتؤكد أيوب «لا شك في أن الأهل يحبون كل بناتهم، ولكنهم قد يمارسون نوعاً من الحب الأناني فيميلون إلى الأكثر جمالاً أو الأكثر ذكاءً، لأنها تشبههم أو تحقّق طموحاتهم». هذا السلوك الخاطئ يُحدث حالة من حالات العداوة المكبوتة بين الشقيقات، تُشعر الأقل جمالاً بأنها منبوذة من أهلها.
تمييز الابنة الأكثر جمالاً يعكس قلقاً لدى الأبوين ــ أو لدى أحدهما ــ يُظهر كما تؤكد أيوب عدم تقبّلهما لذاتهما أو لشكلهما. أما الإهانة أو الانتقادات التي توجّه إلى الأقل جمالاً، فإنها ممارسات تولّد لديها الشعور بالظلم لذنب لم تقترفه، والتركيز على فضائل أختها ينمّي غيرة قد تتحول إلى حقد وكره «ما يؤثر في الصورة الذاتية للأقل جمالاً، فإذا استمرت هذه الغيرة بعد سن النضج تكون دليلاً على عدم اقتناع الفتاة بنفسها وبشخصيتها، وعدم قدرتها على تحقيق ذاتها، فترى في تفوّق أختها استفزازاً شخصياً لها».
قد تسمع الفتاة من أهلها عبارات كـ«لماذا تغارين؟» و«أنت ما بيبقلك» و «لماذا لا تكونين مثل أختك»، وهذا الكلام سيُحدث لدى الفتاة جرحاً كبيراً.
التقليل من شأن الفتاة قد ينمّي لديها الميل إلى المظهر المسترجل، كما تؤكد أيوب، فتتخلى عن «الأنثوية» لمصلحة الجميلة، أو أنها ستبالغ في التبرج والخضوع لعمليات التجميل لتتشبه بمظهر الأخت الجميلة، أو بحثاً عن كلمة مديح. ومن السلوكيات التي تلفت إليها أيوب، محاولة الأقل جمالاً الانتماء «إلى مجتمع شقيقتها ومصاحبة أصدقائها والتشبّه بها في كل شيء»، كما أنها قد تستميت لإرضاء الأهل فتتصرف «بمثالية»، وتجهد لخنق النفس بالدرس والتضحية بكل شيء. بين الفتيات اللواتي يعانين قلة التقدير، ثمة من ستجهد لتزيح شقيقتها عن دربها، أخريات يحاولن التعويض عن نقص الجمال فيبرعن في عملهن، ويكنّ على قدر عالٍ من الثقافة. البحث عن المديح أو التقدير قد يقود الفتاة إلى معاناة صعبة، فهي ستخضع لأي شاب يوجّه إليها كلمة جميلة ويمتدح أنوثتها، وقد يتحوّل تعلّقها به إلى هوس.
إذاً تختلف ردود الفعل بين الفتيات اللواتي يعانين قلة التقدير بسبب جمال شقيقاتهن، ولكن خضوعهن لعلاج نفسي أمر ضروري. وتشدد أيوب على أنه يجب على الأهل التحكم في كيفية إظهار عواطفهم ومعاملة بناتهم معاملة عادلة ومتساوية، «وعليهم أيضاً تحضير ابنتهم الأقل جمالاً لمواجهة المجتمع القاسي، وذلك بتحفيز ثقتها بنفسها والتشديد على الأخلاق الجيدة والثقافة العالية وأسلوب التعامل مع الآخرين، وتحفيزها على ممارسة هواياتها».


معاناة الفقيرات أكبر

لتدمير بالكلمات ممارسة رائجة جداً في مجتمعنا، وهذا السلوك له تأثير سلبي كبير في الفتيات اللواتي يعانين قلة جمالهن.
لا حاجة إلى التذكير بأن الفتاة تحتاج عادة إلى سماع «الكلمة الجميلة»، وهي إن كانت صاحبة شكل «غير مقبول» وفق معايير الجمال المنتشرة، فإن دور الأهل كبير، عليهم إظهار الحنان لها، ولكن دون المبالغة كي لا تشعر بأنه حنان مصطنع، وعلى الأهل أيضاً إيلاء هذه الفتاة أهمية كبيرة، وسؤالها عن رأيها في أمور مختلفة. وتقول الدكتورة أيوب إن أوضاع الفتيات الأقل جمالاً في المجتمعات الغنية أفضل، لأنهن يعوّضن عن نقص الجمال بالنقود وبشراء الثياب وبعمليات التجميل. أما في المجتمعات الفقيرة، فإن القبيحة لا تستطيع أن تغيّر شيئاً في شكلها، ولكن هناك حب الأهل المهم في هذه الحالة. وتلفت أيوب أيضاً إلى أن المستوى الثقافي للأهل مهم، فهو سيساعدهم على تطوير أسلوب التعامل مع الأولاد، فيجنّبونهم أوضاعاً نفسية صعبة.