إيلي شلهوب"واقعة بغداد"، أو "ثورة الحذاء" التي شغلت الدنيا وملأت الكون، حملت من المعاني ما يصلح لزهق حبراً يكفي لمجلدات. التفسيرات كثيرة والمشهد واحد: سلطان ووالي وضحية قررت في لحظة ما أن تكون مشروع شهادة. السلطان أراد تكريس مبايعة الرعية له، بتوقيع اتفاق مع والي بغداد في احتفال أشبه بحفل نهاية الخدمة. وقفا جنباً إلى جنب يُشبعان غرائزهما؛ الأول فرح بقدرته على انهاء ولايته بإنجاز يحجب إخفاقات السنوات الثماني الماضية. إرث يتركه للتاريخ عله ينصفه على ما فعل. أما الثاني فكان أكثر ابتهاجاً بحقيقة أن وليّ نعمته قدم شخصياً إلى ديوانه. بدا وكأنه يحلّق في سماء السلطة. شفتاه تمتمتا بما لم تلتقطه مكبرات الصوت: خسئتم يا من كنتم تراهنون على غضب السلطان عليّ، ها هو راحل أما أنا فباقٍ.
حتى هذه اللحظة كان كل شيء يجري على ما يرام، إلى أن انتفض ذاك الصحافي. لحظات أربكت الوالي الذي عجز عن استيعاب ما حملته من صدمة. جسم غريب يطير بسرعة فائقة نحو الزعيم المفدى ومعه كلمات جارحة، لا شك في أنها أدمت قلب المُضيف. فردة حذاء تلتها رفيقتها. حاول صد "القنبلة"، ولكن بخفر. كان ليرتمي امام السلطان لو لم يكن مودعاً. يا للعار، قال في سره، إنها الفضيحة التي لا تُحل إلا بطريقة واحدة، يتوارثها حكام بلاد الرافدين منذ أيام الحجاج بن يوسف. عقاب يُطبق تلقائياً. رعاع من المرافقين ينهالون بالضرب على المهاجم ويسحبونه إلى حيث لا يعلم أحد. تأديب خففت من دمويته كثرة آلات التصوير والشهود. إنها ديموقراطية العراق الجديد.
كان السلطان أكثر حنكة... وديناميكية. بدا وكأنه في ملعب بايسبول. نجح في تجنب أداة الاغتيال المعنوي. ضحك ومازح الحضور وكأن شيئاً لم يكن. لم يكن متوقعاً منه تصرفاً مغايرا، هو الذي ارتكب من المجازر ما يندى له الجبين ولم يرف له جفن.
الحاشية سارعت إلى الاعتذار. أما منتظر الزيدي فتحول إلى بطل مكسر الأضلع. نموذج بات الاقتداء به فرض عين. مشروع شهادة في وجه سلاطين العم سام وولاتهم من المحيط إلى الخليج.