اعتصم أمس طلاب كلية الإعلام والتوثيق ــ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية على اختلاف توجهاتهم السياسية، تضامناً مع الصحافي منتظر الزيدي
محمد محسن
لا صوت يعلو فوق صوت الأحذية. لسنا هنا عند إسكافي ولا في مصنع للأحذية. نحن في كليّة الإعلام والتوثيق ـــــ الفرع الأول. لأول مرّة يتنحّى القلم والكاميرا طواعية، فيفسحا في المجال أمام الحذاء كي يعبّر.
لم يغيّب السجن ولا الضرب الصحافي العراقي منتظر الزيدي، فاعتصم الطلاب من أجله، لا بل احتفلوا بزميلهم وطالبوا بإضافة مقرّرٍ جامعي باسمه، يتحدّث عن فنون تعبير أخرى غير القلم. ولم تفرّق السياسة بين الطلاب هذه المرة أيضاً، إذ إنّ موضوع الاعتصام أو «الاحتفال» يرتبط مباشرة بقضايا الإعلام وحرية الصحافة.
وفي التفاصيل، اعتصم طلاب الكليّة تضامناً مع الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي رشق الرئيس الأميركي جورج بوش بالحذاء ووصفه بالكلب. استعدّ طلاب الكليّة منذ الصباح لإقامة الاعتصام الذي دعا إليه مجلس طلاب الفرع وحزب الله وحركة أمل وحركة الشعب. فوُضع عند مدخل الكليّة حذاءٌ أسود بقياس حذاء منتظر الزيدي (44)، وفوقه علّقت لوحة كتب عليها الطلاب «أشرف من تيجانكم يا عرب». انهمك الطلاب داخل الكلية بإعداد المقاعد وترتيبها، توزيع الصور والشعارات، وضع أناشيد للمقاومة وفلسطين.
بدأ الاحتفال عند الثانية عشرة والنصف، فرفع الطلاب لافتاتهم التي تنوّعت شعاراتها. فهنا لافتة كتبت عليها إحدى الطالبات «هذه قبلة الوداع يا من تدّعون حرية الرأي والتعبير»، كما صوّرت لافتة أخرى انحناءة بوش أمام حذاء منتظر وكُتب عليها «الصحافة هي كشف الحقيقة، كشفنا حقيقتك يا بوش». بدورها، لم تغب غزة المحاصرة عن وجدان الطلاب الذين ربطوا بين ما فعله منتظر وابتسامات أطفالها. وكانت كلّ الأنظار شاخصة باتجاه المجسّم الذي جسّد الرئيس الأميركي متوّجاً بأحد الأحذية الذي أُحرق بعد قليل.
حان موعد الكلمات، فرحبّت الكلمة الأولى بالطلاب، وأعلنت تضامن الكليّة مع الصحافي العراقي الموجود حالياً في أحد مستشفيات المنطقة الخضراء في بغداد، ثم اعتلى المنبر الشاعر طارق زين الدين الذي أنشد ثلاث قصائد: الأولى تناولت ما يجري في قطاع غزة، وقد علا التصفيق حين قال «اثنان نالا لقب العزة، الله وأطفالك يا غزة»، وتلا قصيدة ثانية اعتبرها رسالة من منتظر إلى الرئيس الأميركي «يا بوش الجونيور.. لا حيّاك الله». أما القصيدة الثالثة فكانت لمناسبة عيد الغدير. أنهى الشاعر قصيدته ليعتلي الدكتور إياد عبيد المنبر، فشدّد على ضرورة دعم المقاومة وغزة وشعبها المحاصر.
وألقى كلمة مجلس طلاب الفرع الطالب محمود فقيه الذي رأى أنّ «منتظر كشف ثلاث حقائق: البطل والعميل والطاغية الجبان»، معلناً تضامن الكليّة وتلامذتها تضامناً مطلقاً مع الزيدي. أما الطالب يعقوب علويّة، فألقى كلمة حركة أمل، وهي عبارة عن قصيدتين، وجّه الأولى إلى غزّة والثانية إلى «حكام أنفسهم، العرب». كذلك ألقى الطالب حمزة الحاج حسن كلمة التعبئة التربوية في حزب الله، فوجّه تحية إلى غزة وتلتها قصيدة أيضاً. وبدأ حديثه عن منتظر قائلاً «خلّي الحذاء صاحي»، مشيراً إلى أنّ «ما فعله زميلنا وأخونا منتظر ذو أبعاد ٍ استراتيجية»، مشبّهاً ما قام به بعملية الشهيد أحمد قصير الذي اتهمه البعض بأنّه غامر أو لم يحسن التصرف». وعلا التصفيق حين سخر الحاج حسن من الاحتلال الأميركي قائلاً «من الآن فصاعداً، على كل جندي محتل أن ينظر إلى قدمي كل طفلٍ عراقي وكل مقاوم قبل أن يشهر بندقيته».
وانتهى الاحتفال بإحراق مجسّم للرئيس الأميركي جورج بوش، فبدا حينها جميع الطلاب سعداء. هم لا يخافون على منتظر من سجن جلاديه، فهو بنظرهم حرّ أكثر بكثير من زعمائهم، وخصوصاً حين رمى الحذاء، وأجبر رئيس الدولة العظمى على الانحناء.