راجانا حميّةهذه المرة، لم يكن اللاجئ الفلسطيني يطالب الدولة اللبنانية «المضيفة» بحقوقه المحروم إياها منذ ذلك الخروج من أرضه، بل على العكس من ذلك. كان أمس عاملاً ومزارعاً وتقنياً مسهماً في تكوّن الرأسمال اللبناني، في الدراسة التي أعدتها عضو جمعية النجدة الشعبيّة الدكتورة عزيزة الخالدي و«الائتلاف الفلسطيني ـــ اللبناني لحملة حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، عن «إسهام اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات وبعض التجّمعات في الاقتصاد اللبناني»، التي أوجزتها في مؤتمر صحافي عقد في فندق «الماريوت». كما كان، كما قال وزير الإعلام اللبناني طارق متري، «مشاركاً في الحياة والمصير لا عبئاً».
لاجئ المخيّمات هذا، مشارك في الدورة الاقتصادية اللبنانية مشاركة مباشرة من خلال الانخراط في قوة العمل وأنماط الاستهلاك ومبادراته الذاتية (أسواق صبرا مثلاً) وعائدات المهاجرين التي تتخطى أحياناً 49,7% ( أوروبا) و36% (الخليج). أما المشاركة غير المباشرة، فاللاجئ مصدر لأموال المساعدات الإنسانية العالمية «غير الضارة للاقتصاد اللبناني»، كما علّق ساخراً أحد المشاركين.
«الوجه الجديد للاجئ» أبرزته الخالدي، عبر إظهار «المشاركة الفاعلة للاجئين في الدخل القومي اللبناني»، مطالبةً الدولة اللبنانية بتشريع حق العمل لهؤلاء انطلاقاً من إسهامهم ذاك، وخصوصاً أن نسبة العاملين «الشرعيين» بإذن عمل، تبلغ 1,7% فقط من القوة العاملة. وفي تفصيل الدراسة، تبين للخالدي أن 91,1% من الأسر لديها شخص يعمل حالياً، هذه النسبة تشارك في بناء الدخل من عملها وطاقتها الاستهلاكية للطعام والملبس والسكن والعناية الصحية والتعليم. ولعل ما يؤكد «هذه المشاركة الواضحة، أنّ الفلسطينيين، رجالاً ونساءً، قادرون على العمل لساعات طويلة وحتى أعمار متقدّمة وفي أية مهنة وبأدنى راتب». وتنطلق الخالدي من تلك الخلاصة لتعرض ظروف عمل اللاجئين عند الرجال والنساء، مع التأكيد أنّ الجنسين «يستقتلان» على العمل مهما تكن ظروفه. ولكن ما يختلف هنا، أنّ النسبة الأكبر من النساء، يعملن في الفئات العمريّة الفتية والأكبر بين 40 و65 عاماً، لأسباب ترتبط بتربية الأطفال والحياة الخاصة، فيما هي عند الذكور محصورة بين 25 و39 عاماً. أما قطاعات العمل، فاللاجئون، بحكم التشريع اللبناني ممنوعون من مزاولة 72 مهنة، فينصرفون لتأسيس أعمالهم الخاصّة أو العمل في مؤسساتٍ خاصة، بحيث بلغت نسبة النساء العاملات في قطاع الخدمات مثلا 63,6%، فيما النسبة عينها تقريباً موجودة للرجال في قطاعات البناء والزراعة والصناعة. أما بالنسبة إلى الأجور، فهي لا تناسب ساعات العمل «المرهقة جداً» بالنسبة إلى الفلسطيني، الذي عليه العمل 30 يوماً بدون إجازات لدخلٍ لا يتعدى الحد الأدنى للأجور الحالي أي 300 دولار، الغريب هنا، كما يلفت د. رياض طبارة، مدقق الدراسة، أن يكون هؤلاء «راضين نوعاً ما» عن عملهم وأجورهم، بنسبة 59.6% لدى الرجال و55,1% لدى النساء. يذكر أن الدراسة استندت في إحصاءاتها إلى حلقات النقاش وعيّنة من 1500 عائلة في 8 مخيمات، ما أثار حنق بعض الحاضرين الذين تساءلوا عن دور اللاجئين خارج المخيّمات.


توصيات لـ«البارد»

اللافت في توصيات الدراسة أنّ غالبيّتها جاءت لدعم حقّ عودة أبناء البارد إلى بيوتهم ومؤسساتهم التجاريّة. وتطالب التوصيات القصيرة المدى بدعم مساعي تجار «البارد» لتسوية أوضاعهم وإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني وتحسين خدمات الأونروا، إضافةً إلى دعم الإسراع في إعادة بناء المخيم والجسور مع مخيمات الجوار. وتحرص التوصية على دعم المبادرات الذاتية في العمل الحر من خلال التفكير في «كونسرتيوم ــ مجموعة مالية» لإعادة برمجة ديون المؤسسات التجارية في البارد. أما على المدى الطويل، فالحوار جارٍ بين الفعاليات الاقتصادية الفلسطينية واللبنانية لتركيز دعائم شراكة استراتيجيّة مبنية على اقتلاع مبدأ التضارب في المصالح.