صيدا ــ خالد الغربيعندما قرر محمد حسن هلال (77 عاماً) تجديد رخصة سوقه قبل أيام قليلة، فوجئ بأن سجله العدلي (أحد المستندات المطلوبة لتجديد رخصة السير) لم يتضمن عبارة «لا حكم عليه»، لتظهر بدلاً منها 3 أحكام. اكفهر وجه الرجل قبل أن يتبين له أن الأحكام عائدة لما قبل 50 عاماً.
في منزله في صيدا يفرغ هلال مخزون ذاكرته. يقول مبتسماً: «الدولة ما بموت عندها ميّت». يروي الرجل السبعيني قصة الحكم الأول الصادر بحقه، الذي يعود لعام 1943: «كنا أولاداً صغاراً والفقر ضارب أطنابه. كان عمري 12 سنة ويوجد مستشفى على خط السكة (حيث يقبع راهناً مخيم عين الحلوة) للجيش الإنكليزي وقربه حاميته العسكرية. كنت برفقة 3 من أبناء جيلي. وعندما أدار الجندي الإنكليزي المكلف حماية المستشفى ظهره، زحفنا داخل عبّارة ودخلنا المستشفى، وأخذنا علب كرتون وأغراضاً ومجلات وبزة عسكرية كانت منشورة على حبل غسيل. لكن البوليس الإنكليزي «عفشني» بعدما فر رفاقي، وسلمني إلى الجندرمة اللبنانية في قشلة صيدا. صدر بعد ذلك حكم بحقي، فسجنت في إصلاحية في بحنّس. وكنت كل 15 يوماً أمنح إجازة لزيارة الأهل ألى أن انتهت محكوميتي».
عن القضية الثانية، يقول هلال «إنها وقعت في مطلع الخمسينيات عندما أهانني أحد الأشخاص، فما كان مني أنا الشاب المعتز بنفسي إلا أن ضربته. وقد حوكمت يومها بغرامة مالية قيمتها 20 ليرة لبنانية دفعتها ولم أسجن». أما القضية الثالثة، فوقعت بعد الزلزال الذي دمر مناطق لبنانية عام 1956، وكنت يومها عريساً جديداً. فوجئت في أحد الأيام بالكهرباء في منزلي. فسألت زوجتي: «مين جاب الكهرباء» فقالت لي إن جارنا أبو سليم «مد لنا خطاً». تبين لاحقاً أنه علّق شريط كهرباء على أسلاك الشركة، فحررت مؤسسة الكهرباء محضر ضبط ضدي قضى بتغريمي 300 ليرة لبنانية دفعت منها 200 ليرة حينذاك، قبل أن أدفع المبلغ الباقي قبل عام من الآن مع الإضافات والمتأخرات».
«دفتر السواقة» فتح دفاتر الماضي، يقول هلال ضاحكاً. قبل أن يوضِح أن وضعه القانوني سُوِّي وأزيلت الأحكام عن سجله العدلي ونُظِّف: «يا الله محلا أيام زمان، ليت الشباب يعود يوماً» يقول الرجل المتقدم في السن، مضيفاً: «عن جد الدولة صاحية»، قبل أن يستدرك قائلاً: «بس أنا انحكمت. شو فوّقهم هلق على الموضوع؟».