لا تردع التدابير الأمنية السائقين طويلاً عن اقتناء «الموتوسيكلات»، إذ لا تلبث «الموضة» أن تتراجع حتى تعود. فالشباب لا يتخلّون عن نزعة الظهور والاستعراض. كذلك فهم يتمسكون بالدراجة النارية «الأوفر» في استهلاك الوقود، وتجاوز «الزحمة» الصباحية والمسائية في شوارع العاصمة
خضر سلامة
«ليك هالأزعر!» يصرخ سائق السيارة العمومية في وجه الشاب، الذي يركب دراجة نارية ويعبر من أمامه بسرعة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ...نارية! تزدحم العاصمة وضواحيها بالدراجات، ولا يؤثر في وجودها سنّ القوانين التي تحظرها أو تنظّم وجودها. فيكثر الاعتماد على وسيلة النقل هذه لكثرة ما تلائم حاجات اقتصادية واجتماعية وشبابية عدة.
حين ابتاع علي الزين، ابن الاثنين والعشرين عاماً، دراجته النارية الصغيرة، كانت الحل الأمثل في نظره للتنقل بين سكنه في بيروت ومكان عمله البعيد نسبياً في الضاحية الجنوبية. «أوفّر في استهلاك الوقود عند استخدام الدراجة، فمصروفها أقل من أجرة السرفيس حتى»، يؤكد الزين في معرض حديثه عن أزمة أسعار الوقود، والضغط الذي تمثّله على ميزانية المنزل. ولكن تبقى المشكلة الأهم أمامه هي حواجز قوى الأمن، إذ يشكو من أنّ «الدرك لا يرحمون أصحاب الموتوسيكلات، حتى لو كانت مسجلة ومزودة بإطفائية وخوذة واقية، حيث تُصادر الدراجة بحجة الحظر أو بحجج سخيفة وصغيرة». ويبقى الحل بنظر الزين عبر سلوك طرق فرعية تندر فيها «الحواجز الطيارة» لقوى الأمن، التي تنتظر مترصدةً أصحاب الدراجات، كما يقول.
لا تختلف حال محمد شاهين عن وضع الزين، إلا أنّ ابن السادسة والعشرين من العمر يضيف إلى سلة حسنات «الموتوسيكل»، تجاوز الزحمة الصباحية والمسائية في شوارع العاصمة. «الطريق الذي يحتاج بالسيارة إلى نصف ساعة لعبور زحمته، أقطعه بالدراجة في خمس دقائق»، يؤكد الشاب. إلّا أنّ شاهين لا ينكر أن في ركوب الدراجة النارية أحياناً نزعة شبابية قوية للظهور والاستعراض. أما حواجز الدرك، فقد اعتاد الشاب الهرب منها، ومن الدراجين الذين يلاحقون كل دراجة نارية مخالفة. يصر على أنّ الدراجة ضرورية في يومياته، وإن كان لا يستطيع أن ينسى أربعة حوادث سير تعرض لها من جراء السرعة، «لست سائقاً سيئاً، ولكن يجب أن نعترف بأنّ الحادث على الدراجة النارية هو الأخطر، وغالباً ما يكون مميتاً».
يمثّل الاستعراض جزءاً هاماً من يوميات معظم سائقي الدراجات النارية، الشباب منهم خصوصاً. من هؤلاء طارق الذي يبلغ عشرين عاماً. يتباهى طارق بمشاركته الأسبوعية في تحدٍّ على أحد الجسور الجديدة في ضواحي بيروت، يتصارع فيه الفتيان المشاركون على «الحركة الأجمل» والسرعة الأقصى. ويشرح طارق كيف تتملّك قيادة الدراجة النارية عقله «في الحيّ سائق الـ«موتوسيكل» ملك على دراجته، وهو موضع احترام وخوف من الجميع، وإعجاب من بعض الفتيات أيضاً»، يضحك طارق، ويشرح لنا كيف يعمد يومياً إلى المرور أمام منزل صديقته سارة، محاولاً إبهارها بحركاته الاستعراضية. لا تخجل سارة من أن تعترف بتأثير هذه الحركات على إعجابها بطارق «والخوف عليه، مع الإعجاب بقدرته البنيوية، وطيشه أيضاً». هي لا تتوانى عن «احتضان طارق» وركوب الدراجة معه، في مشهد «يثير حنق الأهل طبعاً، لكنه يشعرني بتميّز ما، بتمرّد ربما». تمتعض فاطمة من كلام صديقتها سارة، فهي تكنّ العداوة للدراجات النارية. «طبعاً ما بطيقهم»، تجيب بعصبية، وتضيف إنّها تسبب «إزعاجاً صوتياً، ومخاطر على حياة الشبان والمارة، وبعض الزعرنات أيضاً من تلطيش وغيره». وتكمل فاطمة مؤكدة أنّ «اللجوء إلى الاستعراض على الدراجات النارية أمام الفتيات يعبّر عن عُقد نقص كثيرة، ويثير اشمئزازي».


«الموتوسيكل» إلى الواجهة مجدداً

ترتبط في ذهن العديد من الأشخاص فكرة الدراجات النارية بموضوع التحديات الأمنية. إذ لا يمرّ أسبوع من دون أن تحصل عمليات نشل عدة، بطلها سارق على دراجة يستهدف بطريقة محددة النساء في الشوارع الجانبية، حيث يصعب إلقاء القبض عليه. فيستغل اللصوص السرعة المتوافرة لهم للهروب من ضحاياهم. وبعد اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة تراجعت هذه «الموضة» لتظهر من جديد بعد تعاظم أزمة المحروقات، وعودة الشباب إلى استخدام الدراجات النارية. فعادت «الموتوسيكلات» إلى الواجهة كوسيلة سهلة واقتصادية للتنقل، تاركةً أزمةً مفتوحة بين الدرّاجين المأخوذين تارةً بطيش الشباب، وطوراً بحاجات اقتصادية بحتة، وبين حدود أنظمة السير والمرور والوقاية.