عبد الله كامل ناصر الدينأصابتني حسرة عندما علمت أن العرب خسروا أموالاً طائلة في الأزمة المالية الأخيرة المستمرة. مبالغ هائلة، تريليونات من الدولارات اختفت بلمحة بصر، هكذا بشطبة قلم. أصابتي الحسرة عندما تخيّلت ما كان يمكن أن يفعل العرب بتلك الأموال؟ أو ما يسمى باللغة الاقتصادية بـ«تكلفة الفرصة البديلة أو الضائعة». لو تخيّلنا مثلاً أن تلك الأموال قد وزّعت توزيعاً عادلاً على الشعوب العربية المحتاجة، كم كان بإمكانها أن ترفع من أوزار العوز والفقر عن عالمنا العربي، بدءاً من مصر التي تلامس الجوع، مروراً بغزّة وفلسطين التي تعيش حصاراً، إلى لبنان المتعثّر بالديون، إلى المغرب والسودان واليمن...
... وعندما تفاقمت حسرتي، استيقظت من حلمي، حاولتُ أن أجد تكلفة الفرصة البديلة بواقعية أكثر، فكانت مهمتي بكل بساطة أن أفكر بما اعتاد العرب أن ينفقوا عليه.
هنا ـــ كما يقال ـــ راحت السكرة وجاءت الفكرة، فكان على رأس القائمة، الأموال التي ينفقونها على تحصين أنظمتهم الاستخباراتية المتسلّطة على شعوبها وخيراتها. ثم وضعت ثانياً الثروات الفاحشة التي يجنيها العرب، فها هي ثرواتهم تتراكم وتنفق على القصور واليخوت والمومسات... ثالثاً، تذكرت كم ينفق العرب على صفقات الأسلحة التي تتعدى الميزانيات الحربية الإسرائيلية والتي لم ولن تستعمل يوماً إلا لإحكام التسلّط على شعوبها أو إرضاءً لأسيادهم في العالم. أخيراً، وجدت أن كرم العرب يتدفّق على مشاريع الفتنة بين المسلمين، بالإضافة إلى تمويل الإرهاب والتكفير في محيطهم العربي والإسلامي من أجل إضعاف الأمة وإلهائها، وإنهاكها، والتخلّص من قوى المقاومة والمغامرة التي تحرجهم، على منوال ما يحصل في لبنان وفلسطين. عندما علمتُ أنه لو قدّر للعرب ألا يخسروا تلك الأموال، لكان وضعنا أسوأ من حالنا، عادت حسرتي: تمنيتُ لو أن العرب قد خسروا أكثر لربما أصبحت شعوبنا أقل فقراً واقتتالاً، وأكثر وعياً واستيقاظاً، لتغدو المقاومة أكثر قوة وصلابة.