بيار أبي صعبمع اقتراب موعد الانتخابات النيابيّة في لبنان، يتعاظم الشعور بالمهانة لدى فئة محدّدة من المواطنين. هذه الفئة، لا تتوافر إحصاءات لتحديد حجمها الفعلي... علماً بأن الآلة الضخمة التي تقولب الأفراد في هذا البلد ـــــ من المهد إلى اللحد ـــــ تلك المترسّخة في النخاع الشوكي الجماعي، تبذل المستحيل للتضييق عليها، بل وأدها بكلّ المعاني القانونيّة والاجتماعيّة، التربويّة والاقتصاديّة، الثقافيّة والسيكولوجيّة... هذه الفئة لعلّها تضمّ رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، يعيشون غربة عن وطنهم، فيما هم الأجدر بتسمية «مواطن» بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. فئة الحالمين بدولة قانون، دولة مؤسسات ومواطنين ومجتمع مدني، لا سوبرماركت جماعات متناحرة تتناهش مؤسسات الدولة، ولا جمهوريّة موز يتقاسم مزارعَها أمراءُ الطوائف وورثة الإقطاع. تلك الأكثريّة الصامتة الموجودة في كلّ الشرائح الاجتماعيّة، لا خلاص (ومعنى) للبنان، ما دامت خارج اللعبة، لا يتاح لها أن تعبّر عن نفسها... بدءاً من صناديق الاقتراع. لكن كيف، في ظل توارث الحكم، وعقليّة الخدمات والمحسوبيات، وقوانين الأحوال الشخصيّة البائدة؟ كيف، والقانون الانتخابي لا يسمح بذلك؟
كيف يختار المواطن اللبناني ممثله وعلى أي أساس؟ تلك هي المسألة. لو قيّض لكاتب هذه السطور مثلاً، لفكّر جديّاً في التصويت لأسامة سعد، وهو يقرأ أن نائب صيدا ورئيس «التنظيم الشعبي الناصري» اختار مستشفى حكوميّاً، قبل أيّام قليلة، للخضوع لعمليّة جراحيّة.
هذا الفعل الرمزي من شأنه أن يهزّ أساسات الاستبلشمنت السياسي في لبنان. ممثّل الشعب يطالب الدولة بوضع الرعاية الصحيّة للشعب في أولويّاتها. ويساند مستشفى صيدا الحكومي في وجه العاصفة الماليّة والسياسيّة التي واجهها أخيراً. «السرايا الحكومية ولا المستشفى!» صرّح أسامة معروف سعد، عندما زارها قبل فترة مع رئيس بلديّة صيدا عبد الرحمن البزري، في حركة تضامنيّة. وها هو يقرن القول بالفعل، مانحاً ثقته لهذه المؤسسة الصحيّة التابعة للقطاع العام.
يوم تُعالج النخبة السياسيّة في المستشفيات الحكوميّة، وتعلّم أولادها في المدارس الرسميّة والجامعة اللبنانيّة... ربّما يصبح بإمكاننا أن نثق بالدولة، وننتمي إلى الوطن بدلاً من العائلة، والطائفة، والمذهب، والمنطقة، والعشيرة.