عنقون ــ رنا جونيالضباب كثيف في كفرحتى (صيدا). ليس ضباباً منعشاً يعلن قدوم الشتاء، كما أنه ليس ذلك الضباب المعهود في بلدة جبلية. فضباب كفرحتى أسود. يخيّم عليها ليلاً نهاراً، وفي جميع الفصول، منذ أن قرّرت بلدية عنقون إقامة مكب للنفايات، دائم الاشتعال، عند مجرى النهر الفاصل بين بلدتي عنقون وكفرحتى.
ويبدي حسين نصار، رئيس بلدية كفرحتى، استياءه من بلدية عنقون و«من الضّرر الذي تلحقه ببلدتنا جراء الدخان الكثيف، والروائح الكريهة المنبعثة منه، فضلاً عن تشويه مدخل البلدة. ولذلك تقدمنا بعدة شكاوى إلى المحافظ السابق حليم فياض، ولكن دون جدوى».
لكن المشاكل المتعلقة بهذا المكبّ لا تقتصر على احتجاج أهالي كفرحتى، بل تتخطاه إلى الاستيلاء على أملاك الغير. فالمكبّ ينتشر على مساحة خمسة دونمات، في أرض تعود ملكيتها للشقيقين سليمان وأبو شربل عساف من بلدة كفرشلال.
«هذه الأرض ملك لنا، وقد سيطرت عليها بلدية عنقون منذ حوالى 25 عاماً لتحويلها إلى مكب لنفاياتها، ثم لنفايات القرى المجاورة»، كما يقول سليمان عساف، الأمر الذي دفع به إلى التحرك طالباً من البلديات التوقف عن رمي النفايات خوفاً من توسّع المكب.
فقد ارتأت بلدية عنقون أن ذلك هو المكان الملائم لا لرمي نفاياتها فحسب، بل أيضاً نفايات «جاراتها».
ورغم استجابة بعض البلديات لطلب سليمان عساف، إلا أن بلدية عنقون واجهته بطلب مهلة ستة أشهر إضافية لإيجاد مكان آخر، مهلة جدّدت لمرات متتالية ما زالت «تتتالى» حتى اليوم. لم يستسلم سليمان. فتقدّم بثلاث شكاوى إلى المحافظ السابق حليم فياض وأخرى أودعها صندوق الشكاوى لدى القصر الجمهوري، ولكنها جميعها لم تفض إلى أية نتيجة. فبلدية عنقون تلتزم نفايات القرى المجاورة، ويرتّب المكب عليها «صرف أموال طائلة لتسديد مصاريف الردم، الجرف، الطمر والتنظيف لعدم سد مجرى النهر، إضافةً إلى أجور العاملين الذين وضعتهم البلدية من أجل فرز الزجاج والحديد، وكذلك الحراسة منعاً لدخول أي شاحنة نفايات من الخارج»، كما يقول نائب رئيسها نبيه محيدلي.
ويشرح محيدلي النظام الذي أرسته البلدية قائلاً «أي بلدية ترغب في رمي نفاياتها في المكب، يجب عليها دفع مبلغ من المال لبلدية عنقون، قدره مليون ليرة لبنانية شهرياً». مبلغ لم ترض بلدية كفرحتى بتسديده لأنها ترى أن سكان القرية من حقهم أن يعفوا منها لقاء تحمّلهم للدخان المتصاعد من المكب، بينما التزمت به بلديات مغدوشة، حومين التحتا، طنبوريت، رومين، وبنعفول.
أما بلدية رومين المجاورة، فيشير رئيسها يحيى جوني إلى أنها قد «لزّمت نفايات البلدة إلى متعهد يقوم بجمعها يوماً بعد يوم مقابل مبلغ مليون ومئتي ألف ليرة لبنانية شهرياً، ويكون بدوره مسؤولاً عن تصريفها في مكان تجهله البلدية».
بين سيطرة بلدية عنقون على هذه الملكية الخاصة وتحويلها إلى مكب، وتناقض موقف بلدية كفرحتى منه، و«جهل» بلدية رومين بالمكان التي تُرمى فيه نفاياتها، يستمرّ «الضباب»...


مكب نفايات استراتيجي

لا يعترض نائب رئيس بلدية عنقون، نبيه محيدلي، على شكوى الأخوين عساف. فهو يعترف بحقهما في ملكية أرضهما، ورغم أن البلدية تمتلك حوالى 18 عقاراً شائعاًً، باعترافه، إلا أنها آثرت تحويل ملك الغير إلى مكبّ للنفايات بحجة «أن قطعة الأرض هذه مهملة وغير صالحة للزراعة، لذا ارتأت البلدية استخدامها مكباً للنفايات، نظراً لموقعها الاستراتيجي البعيد عن الأماكن السكنية».
ويضيف محيدلي «هذا المكب مشترك بيننا وبين بلدة مغدوشة التي ترمي نفاياتها فيه لقاء مبلغ من المال نستوفيه في البلدية عبر الاتحاد، باعتبارها من بلديات اتحاد صيدا ـــــ الزهراني، الذي يلزم بأن يكون لكل بلدتين من الاتحاد مكب مشترك».