ريمون هنودكتب مارون عبود في كتابه «جدد وقدماء» عن اشتغال عمر فاخوري بالسياسة: «قالوا ما دخلت السياسة شيئاً إلاّ أفسدته، فأجبتهم (أي مارون عبود): حاشى أدب عمر».
كلمة مارون عبود تجعلنا نستنتج الآتي:
إن السياسة لا تفسد الأشياء، بل تفسد الذين قال فيهم عمر: كانت سياسة أشخاص وبعض المبادئ، فأمست سياسة مبادئ من غير أشخاص. عجباً كيف أن هررة الرأي يهرّبون المازوت إلى جهنّم، وكيف يضرم الشياطين نارها، فتولد في جهنم أنهارٌ من نار وأمواجٌ من نار، والله يكتفي بالتفرّج على الناس كيف يحترقون في الآخرة. وهم يعانون البرد القارس في الحياة الأولى «الأرضية»، وطبيعي أن يرددوا مع أمين الريحاني: «في مثل هذا اليوم، طابت جهنم ونارها!!».
بدأ عمر فاخوري الاشتغال بالسياسة منذ المراهقة، عندما ألّفَ كتاب: «كيف ينهض العرب؟» سنة 1913، وكاد هذا الكتاب الذي طغت عليه الجرأة الهائلة، أن يضمه آنذاك إلى قافلة الشهداء في ساحة الشهداء إلى جانب الشاب عمر حمد! فرجل دين حاقد ثرثار وشى إلى الأتراك قول عمر: «إن الرابطة القومية بين العربي والعربي أقوى من الرابطة الدينية بين عربي وتركي»! لكن صغر سن عمر آنذاك أنقذه من حبل المشنقة. يقول عمر: لكن ترى أي سياسي يعنون؟ أن ينظر الأديب وينفعل ويتحمس ثم يرسل صيحة ويصعّد زفيره أو يرسل لأحد المعسكرين؟ ويتابع عمر: إن هؤلاء الأدباء ينعون على ذلك الأديب اشتغاله بالسياسة، لأنهم في أقصى ضمائرهم، في قرارة نفوسهم، لا يملكون همَّ أن يهتفوا للمعسكر الآخر، وهؤلاء لم أرهم يوماً يأخذ بعضهم على بعض أو يعتب بعضهم على بعض، أو يؤنب بعضهم الآخر، بسبب الانهماك في سياسة تعيين المخاتير، بل النواطير. ويتابع عمر: أليس الأديب والفنان إلاّ رجلاً من أمّة وعضواً في مجتمع؟
عمر فاخوري قال في كتاب «الحقيقة اللبنانية»: قلت ذات يوم إن في لبنان بين المذهب والمذهب وبين الجنس والجنس من الحدود والحواجز ما يُحتاج معه إلى جوازات سفر، كأننا شعوب في شعب وأوطان في وطن. هذا ما كتبه عمر سنة 1944، صورة الواقع المرير المزري نفسه الذي أطبق علينا أثناء الحرب العبثية النتنة، حيث انتشرت الحواجز الطائفية والمذهبية والذبح على الهوية، كنحر الخراف، وحيث بتنا فعلاً بحاجة ماسّة إلى هويات مزيّفة تصلح جوازات سفر مزورة للمرور من حي إلى حي! نتذكر أغنية للفنان سامي مقصود يغنيها مع أبو العبد وأبو الشباب في عام 1985 وتقول: آه يا ليلي آه يا عين، شو تطوّرنا بعشر سنين (كانت قد مضت على بداية الحرب آنذاك عشرة أعوام)، صار بدّك فيزا وباسبور حتى توصّل عا جزين. هل ثمّة حاجة بعد لجواب عن سؤال: كيف اشتغل عمر بالسياسة؟ هكذا اشتغل عمر في السياسة وفي الأدب. في الأدب تألّق في سرّه الخاص، أي باشتغاله في السياسة، أما في السياسة فنجده دائماً الأديب المكافح وطنياً وقومياً. فعلاً ما زلنا في صراع مرير مع نيرونيي هذا الزمن، ألم يقل عمر في أيامه محذراً إيّانا: إن معركتنا في أيامنا ستكون أشرس ملاحم الأساطير؟