إيلي شلهوبيحق لأميركا والعالم الاحتفال حتى النشوة. لا لفوز باراك أوباما بالبيت الأبيض، بل لرحيل جورج بوش عنه بلا وريث يكمل دربه. إنها بهجة دنوّ لحظة الوداع. رقص وموسيقى غايتهما ثمالة تنسي عذابات السنين الثماني الماضية. لا يعني ذلك أبداً التقليل من قيمة هذا الزلزال التاريخي الذي كرّس مصالحة أميركا مع نفسها ومع ماضيها العنصري. لكنه حدث يعني أصحابه بأضعاف ما يهم الآخرين، وهو بالتالي لا يفسر بذاته تلك الفرحة العامرة التي غمرت الكوكب من أقصاه إلى أقصاه، مع بعض الاستثناءات. فرحة حاكاها الرئيس الأسود بتوجهه التصالحي ونهجه الدبلوماسي ورغبته المعلنة في الانفتاح على العالم وفي قيام «فجر أميركي جديد». مقاربة ثورية تنتظر اختبارها على قاعدة أنّ النيّات بالأعمال لا العكس، وهما طبعاً أمران مختلفان، وخاصة عند جلوس الرئيس الأسود على كرسيه في البيت الأبيض. اختلاف ينبع من مجموعة عوامل، في مقدّمها أن أوباما رجل براغماتي ليس مُؤَدلجاً كسلفه، ويفتقر إلى الخبرة في السياسة الخارجية التي ستتحدد في عهده من خلال صراع مستشاريه القادمين من مدارس فكرية متعددة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى حقيقة أنه سيحكم وعينه على ولاية ثانية. لذلك، سرعان ما سيجد نفسه مضطراً إلى التوفيق بين وعوده لناخبيه والعمل على اجتذاب الآخرين، ما سيجعل عهده تسووياً، وخاصة مع تعهّده بتجاوز الحزبية ومدّ الجسور مع الجمهوريين. حال يُرجّح أن تؤدي إلى نوع من التمرد في صفوف الديموقراطيين المفرطين في ليبراليتهم، وتفقده القدرة على التعامل بسلاسة مع كونغرس يتحكّم حزبه بأكثرية مجلسيه.
صحيح أنه حدد الاقتصاد أولوية، لكن هذا لا يعني أنه سيتأخر، على غرار أسلافه، في التعامل مع الملفات الخارجية، حيث يبدو أن طريقه لن تكون معبّدة أيضاً. على الأقل هذا ما تُظهره الرسائل المتصلّبة التي خرجت من موسكو ودمشق وطهران مروراً بغزة وبغداد، وصولاً إلى بيونغ يانغ، تحت عنوان «لا تنازلات».
انتخاب أوباما أحيا «أملاً» سرعان ما سيصطدم بجدار الواقع المرير: رؤساء أميركا لا يحددون السياسات بل يطبّقونها. إنهم كالقابلة القانونية التي تعطيها شهادة الميلاد. إن لم تصدقوا، اسألوا راحم عمانوئيل.