خالد صاغيةحاول بعض المحلّلين في الفترة السابقة إعطاء الصراع بين كتلتَيْ 8 و14 آذار بُعداً يتعدّى الجانب السياسي. وجرى التركيز على قيادة حزب اللّه للمعارضة للإيحاء أنّ هذه الأخيرة تتبنّى خطاباً لا يتلاقى مع قيم الحداثة، ولا مع طبيعة التركيبة اللبنانيّة المتنوّعة التي تتطلّب قدراً من التسامح لا يمكن للأحزاب الدينيّة أن تتمتّع به. حاول الأربطعشيّون ترويج هذه الصورة. إلّا أنّ خطابهم وارتباطاتهم السياسيّة والبنى الاجتماعيّة لمناصريهم، كانت كلّها تشير إلى ابتعادهم عن قيم الحداثة ومشروع بناء الدولة المدنيّة التي ينادون بها. شهدت الأيّام الأخيرة سجالاً بشأن مؤتمر «ثقافة السلام» المنعقد في نيويورك بمبادرة من الملك السعودي عبد الله، لتشجيع الحوار بين الثقافات والديانات المختلفة. لقي المؤتمر انتقادات من مراقبين عرب ودوليّين سخروا من فكرة تشجيع حوار الأديان في العالم، ومنع هذا الحوار على أرض المملكة الداعمة للمؤتمر. لكنّه لقي أيضاً انتقادات سياسية رأت في حضور الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بداية تطبيع مع الدولة العبريّة. وهذه مخاوف لم يزدها حدّةً إلا إصرار الملك عبد اللّه على الاستماع إلى كلمة بيريز في المؤتمر والاستمتاع بها.
يمكن أن يناقش المرء في جدوى التطبيع أو مقاومته في هذه المرحلة السياسيّة. لكنّ دعاة التطبيع لا يمكنهم، تحت أيّ حجّة، كمّ الأفواه المعارضة له. ومن الطبيعيّ أن ترتفع أصوات لبنانيّة وعربيّة ضدّ التطبيع. لكن، لنعُد قليلاً إلى قِيم الفريقين السياسيّين في لبنان. وقف الأمين العام لحزب اللّه وقال إنّ بيريز قد ارتكب جرائم بحقّ اللبنانيّين. الدولة الإسرائيليّة ترتكب الجرائم كلّ يوم بحقّ الفلسطينيّين. لا يمكن لدولة من هذا النوع، ولرئيس من هذا الصنف، أن يُمثّل الديانة اليهودية في مؤتمر للحوار. فليدعوا مفكّرين يهوداً أو رجال دين يهوداً معادين للعنصريّة الصهيونيّة.
في المقابل، تنطّح زعيم الأغلبيّة النيابيّة اللبنانيّة للدفاع عن المؤتمر، متسائلاً لماذا لم يجرِ الاعتراض على استقبال الرئيس الإيراني لحاخامات يهود! هكذا، ببساطة، يصبح جميع اليهود أنداداً لمرتكبي الجرائم الإسرائيليّين. هكذا، ببساطة، أراد الزعيم «المتنوّر» الردّ على «التخلّف» الحزب اللّهي.
لا حدود للبازار السياسي. فعنده تهون الكرامات... وتهون أيضاً العنصريّة.