رامي زريق
نحن جياع العالم، نظهر عليكم بأجسادنا الهزيلة عبر عدسات كاميرات الصحافة التي تنقلنا من قرانا النائية ومخيماتنا المغبرّة إلى بيوتكم الدافئة. تصلكم صورتنا زاهية الألوان على شاشات أجهزتكم الباهظة الثمن. تعرفوننا جيداً، فنحن نعيش معكم منذ أكثر من نصف قرن، منذ أن أصبحنا أبطالاً مرغمين في مسلسل تلفزيوني واقعي مزعج يتكرر سنة تلو الأخرى بالرغم من جهود القيّمين على عمليات الغوث، يقيمون أحياناً في بلاد الغرب من أجلنا حفلات اليأس الموسيقية. يأتون إليها بمئات الآلاف ويتابعونها بالملايين على الشاشات، يطبّلون ويزمّرون ويتمايلون على ألحان مستوحاة من تراث أجدادنا. يكسب الفنانون شهرة واسعة نتيجة لإنسانيتهم ويتبرعون (مشكورين) ببعض أموالهم لتخفيف وطأة الجوع علينا. تذكرونا، مشفقين، كلما أعطتنا الصحافة دوراً جديداً، وكلما اشتدّت الكوارث علينا. بلغ عددنا حتى اليوم مليار نسمة، أي ما يعادل سدس البشرية. تجدوننا في كل الأماكن، في كل القارات، في المدن كما في الأرياف، في بلاد الأغنياء كما في بلاد الفقراء.
نحن لا نفهم لماذا نعيش في الجوع. كل ما نعرفه أن الجوع لا يأتينا وحده، ترافقه دائماً كوارث أخرى، منها طبيعية: جفاف وشحّ الأمطار، أعاصير أو فيضانات. أما الكوارث الأخرى، وهي الأكثر ضراوة، فهي بشرية تأتينا أحياناً مع شاحنات العسكر ومجنزراتهم وأصوات سلاحهم المعدني. يدخلون قرانا، يسرقونها ويحرقونها، يفتكون بأهلها، ويتوغّل الجوع أيضاً بيننا في أيام السلم، محمولاً على أكتاف شركات تبدو لنا أنها عملاقة، يرتدي ممثلوها ثياباً توحي بالاحترام. يسكبون علينا كلاماً ممزوجاً بالعسل والعلقم، ومن الترغيب والترهيب. نترك لهم أراضينا التي نعتاش منها، ونصبح عمالاً في مزارعهم العملاقة، ننتج ما لا نستطيع أن نأكله، قطن وصويا وقصب سكر. يصدّرون هذه السلع، ويستوردون مأكولات لم نعتدها: لحوم معلّبة، مشروبات غازية، دقيق لا نستطيع أن نصنع منه مأكولاتنا التقليدية. هكذا نصبح رهينة السوق لتوفير قوتنا اليومي، إذ إنّ مَن لا يجد عملاً لا يستطيع شراء الغذاء، ويصبح من عداد الجياع... نسمع عن ناشطين يطالبون باسمنا بشروط عادلة للتجارة وللعيش ولإنعاش المناطق التي نعيش فيها وتنميتها. يأتون أحياناً إلينا، يجولون بيننا حاملين كاميراتهم وآلات التسجيل ودفاترهم. يأخذون الملاحظات، ثم يغادرون. لا نعلم إلى أين يذهبون بعد زياراتهم، ولا ماذا ينتج منها. يبدو لنا أن العالم لا يزال يبحث عن طريقة للتخلص من الجوع، ونرجو أن لا يكون المخطط هو التخلص من الجياع، فإن لم تتغيّر شؤون العالم قريباً، فلن يبقى واحد منّا على قيد الحياة...