خلال السنة الماضية، أطلق مغامر كندي حملة عالمية لخلق «لائحة جديدة من عجائب الدنيا السبع». مبادرة لاقتها الأردن بالترحيب، وطلبت الملكة رانيا من الشعب التصويت في المسابقة «كواجب وطني». فربحت البتراء موقعها في اللائحة الجديدة وحلت عليها لعنة السيّاح
في مقالة نشرتها مجلة «أركيولوجي» الأميريكية، كتبت الصحافية هيثر برينكل، عن زيارتها إلى موقع البتراء:
«عدت لتوّي هذا الأسبوع من رحلة سريعة قمت بها إلى الأردن، حيث زرت آثار البتراء الفاتنة للمرة الأولى. فهذه المدينة المحصنة، التي حُفرت ونُحتت بإتقان في أجراف ضخمة ومتراصة من الحجر الرملي، كانت عاصمة الأنباط، وهم تجار من العرب البدو يبدو أنهم وصلوا إلى المنطقة خلال القرن الثالث قبل الميلاد. وإذ سيطر الأنباط تدريجياً على تجارة التوابل والبخور، جمعوا ثروة وظفوها في هندسة بتراء المعمارية التي تضم بعضاً من أجمل المدافن والمعابد والمساكن في العالم. وأودّ نقل تذمرات مثيرة للاهتمام سمعتها خلال زيارتي، وتمحورت حول منظمي حملة «عجائب العالم السبع الجديدة». حتماً ستذكرون هذه المنافسة الدولية المترفة. في أيلول عام 2000، أعلن مغامر كنديّ مولود في سويسرا يدعى برنار ويبر، وهو منتج أفلام سابق تحوّل إلى ناشط مدافع عن التراث، عن خطة لتسمية عجائب الدنيا السبع الجديدة. وقد لاحظ ويبر أنه لم يحدث أبداً «أي إجماع عام فعلي على الإنجازات البشرية خلال الألفَيْ سنة الماضية». فأنشأ مؤسسة وصمّم موقعاً إلكترونياً أنيقاً صوّت فيه الناس من مختلف أرجاء العالم على المواقع القديمة التي يجب إدراجها ضمن «عجائب الدنيا السبع الجديدة». تلقى ويبر وشركاه مئة مليون صوت، وفي تموز/ يوليو الماضي، كشفوا عن لائحتهم في حفل فخم استمر يوماً بكامله وقدمته هيلاري سوانك وبن كينغسلي في مدرج في لشبونة.
وعدت مؤسسة العجائب السبع الجديدة على موقعها أن تهب 50% من مدخولها الصافي لتوثيق المعالم القديمة وحفظها في العالم كله. وخطّطت لجمع الأموال بأساليب عدة: بيع إعلانات على موقعها الإلكتروني المحبوب؛ وترخيص مفهومها؛ والدعوة إلى شراء حقوق بث الفيلم الرسمي عن عجائب الدنيا السبع الجديدة، سواء على شاشات التلفزيون أو عبر أسطوانات مدمجة أو بواسطة الإنترنت. قد تظنون أن جزءاً من الأرباح عاد إلى البتراء، وهي موقع أثري يواجه مشاكل حفظ كبيرة، ولكنكم تخطئون الظن. فعندما كلّمت مدير محمية بترا الأثرية الدولية، سليمان الفرجات، بدا أن لا علم له بأي أموال قد تتلقاها المحمية عبر مؤسسة العجائب السبع الجديدة. وحين راجعت الموقع الإلكتروني لاحقاً، اكتشفت أن ويبر نفسه أعلن منذ ثلاثة أشهر أن حملة العجائب السبع الجديدة لم تحقق لا ربحاً ولا خسارة، إذ أمّنت مداخيل غطّت كلفتها لا أكثر.
إليكم المشكلة الآن. نتيجة الضجة التي أحدثتها حملة العجائب السبع الجديدة والدعاية التي رافقتها، ازدادت السياحة في البتراء. ففي عام 2006، قبل إعلان العجائب الجديدة، استقبل هذا الموقع المدرج على لائحة الأونيسكو للتراث العالمي 364000 زائر. هذه السنة، ومن كانون الثاني/ يناير حتى منتصف تشرين الأول/ أوكتوبر فقط، تقاطر إلى الموقع أكثر من ستمئة ألف سائح، فتخطى العدد الحدود التي أوصت بها الأونيسكو بنسبة 20%. عُدّ ذلك مقلقاً، فالحركة السياحية الضخمة تعرّض للخطر اليومي المعالم التي تبلغ آلاف السنوات من العمر، وتلحق الضرر بواجهات الأبنية الهشة. والأردن بلد فقير، لا يستطيع تخصيص إلا مبالغ ضئيلة لعمليات حفظ الآثار.
رفض مدير البتراء بتهذيب توجيه انتقادات إلى حملة العجائب السبع الجديدة، ربما لأن ملكة الأردن أيّدتها علناً. ولكن الآخرين الذين كلمتُهم لم يكونوا على هذا القدر من الدبلوماسية. ربما انطلقت حملة العجائب السبع كفكرة جيدة جداً. ولكن يبدو أن المشاكل التي سببتها في البتراء فاقت تلك التي حلّتها».

جعيتا واللائحة الجديدة

لم تتوقف مشاريع ويبر على حملة المواقع الأثرية، بل أطلق هذه السنة حملة ثانية تهدف إلى خلق «لائحة عجائب الدنيا السبع الطبيعية» هذه المرة. فما كان من وزارة السياحة في لبنان ومدراء مغارة جعيتا إلا أن أيدوا المشروع، وأطلقوا حملة وطنية لإدراج المغارة على اللائحة الجديدة. ولكن تجربة البتراء كفيلة بأن تسترعي انتباههم وبأن تخبر عن حقيقة نوايا ويبر التجارية! فالتصويت للمواقع الأثرية كان بكلفة دولارين أميركيين، وإستقطب الحدث أكثر من مئة مليون صوت، فهل من الممكن أن يكون المشروع قد غطى كلفته فقط؟ ويجدر التذكير بأن ويبر حينما زار مصر للبحث في إدخال أهرامات الجيزة في المسابقة، منعته السلطات المصرية من التوجه إلى الموقع أو عقد أي مؤتمر صحافي، انطلاقاً من مبدأ أن الحملة هي بدعة تجارية. وكانت الأونيسكو قد أصدرت بيانات عدة، محذرة فيها من أن عمل ويبر غير علمي وغير موضوعي ولا يمت للمنظمة بصلة... إن تجربة الأردن أثبتت مخاوف بعض العلماء من أن ويبر ليس إلا «تاجراً دجالاً» يعرف كيف يستخدم الإعلام والإعلان للوصول إلى هدفه، وأن كل وعوده كاذبة. ولكن هل من يسمع في لبنان؟
(الأخبار)