2200 امرأة من 144 دولة حضرن الدورة الحادية عشرة للمنتدى الدوري الذي يعقده «التجمع من أجل حقوق النساء في التنمية» (إيويد) مرة كل أربع سنوات، والذي يختتم اليوم دورته الحالية. مهرجان ضم نساءً من جميع الألوان والأطياف تحت عنوان «قوة الحركات الاجتماعية». ولكن، رغم ضخامة المنتدى، كان لا بد للبنان، ذلك البلد الصغير، من أن يتميز، ويثير الجدل، كعادته
كيب تاون ـــ رنا حايك
صفّق المجتمعون طويلاً خلال الجلسة الافتتاحية لمداخلة منسّقة جمعية «ميم» المدافعة عن حقوق النساء المثليات جنسياً، والمشاركة في حملة «بنات آخر زمن» النسوية اللبنانية. لكن المترجم المصري، الذي كان يتصبّب عرقاً، لم يصفق بالتأكيد، بل تلعثم طويلاً قبل أن يقرّر أن يعتمد أسلوب الترجمة الفورية غير الحرفية. فكيف سيترجم مصطلح «كونت» الذي تعتمده المثليات لتسمية الأعضاء التناسلية الأنثوية؟ وخصوصاً أن منسّقة الجمعية ارتأت في مداخلتها أن تفنّد أحرف الكلمة لتشرح كيف أن كل حرف فيها يعبّر عن كلمة يجب أن تكون قيمة أساسية في الحركة النسوية العالمية. أو كيف كان باستطاعته ترجمة ما قالته عن أنها تؤمن بالحركة النسوية كما «يؤمن البعض بالله»؟
لم يكن حديث منسّقة الجمعية صادماً بالمعنى العالمي في منتدى كهذا. فقد اعتمدت الأنشطة التي جرت على هامشه أيضاً أسلوب تسمية الأشياء بأسمائها، وإن بشكل صادم أحياناً. ففي المسرحية التي وزع معدّوها على الجمهور واقيات نسائية ومرآة صغيرة، لم يكن هؤلاء مضطرّين لشرح الهدف منها. تحدثت ممثلات على المسرح عن أجسادهن وعلاقتهن بها وبالرجال، وبالأدوات الجنسية. حديث جعل مشاركتين مصرية وسورية تنسحبان متورّدتي الخدين وفاقدتي النطق لمدة نصف ساعة تقريباً.
كان الجنس وموضوع المثلية الجنسية ضيفين حاضرين بقوة على المنتدى. حضور كان خفيفاً على البعض، وثقيلاً على البعض الآخر، وذلك لأسباب تجاوزت أحياناً العامل الأخلاقي. فقد تردد بين بعض العربيات، وخصوصاً اللبنانيات منهن، أنه من غير المنطقي أن يطغى حضور جمعيتي «حلم» و«ميم» على حضور مختلف الجمعيات الأخرى التي تعمل منذ سنوات طويلة على قضايا أكثر إلحاحاً وأهمية في المجتمعات الشرقية، كالعنف ضد النساء، وعمالة النساء واستغلالهن.
امتعضت ممثلات الجمعيات العربية، ولا سيما اللبنانية منها، من «اختزال قضية المرأة اللبنانية بحقها في اختيار ميولها الجنسية» كما قالت إحداهن التي رفضت ذكر اسمها. بعضهن امتعض من «اختصار مواضيع الندوات التي تناولت العالم الإسلامي بالجنس»، في إشارة إلى جلسات عدة عُقدت عن «حقوق النساء في ظل القوانين الإسلامية»، و«الحقوق الجسدية في المجتمعات الإسلامية»، و«التحركات من أجل التغيير الاجتماعي والقانوني في المجتمعات الإسلامية والدفاع عن الحقوق الجنسانية»، بينما أرجعت أخريات السبب إلى «قلة التنسيق بين الجمعيات العربية المشاركة» كما ترى نفيسة الحرش، رئيسة جمعية «المرأة في اتصال» الجزائرية، التي تشرح قائلة: «لقد حققنا مكاسب كثيرة في الدورة الحالية. ففي الدورة السابقة في بانكوك، لم يكن هناك ترجمة، ففرضنا أنفسنا من خلال مشاركتنا تحت مظلة أول حركة عربية تضم 9 دول عربية وتعنى بمواجهة العنف ضد النساء، «كرامة»، حيث أصررنا على التحدث خلال الجلسات باللغة العربية. اليوم، نرى أننا فرضنا الترجمة في المنتدى. لكننا كعرب، نُعدّ مستجدين على مستوى النضال العالمي. لذلك نحتاج إلى تحقيق المزيد من التنسيق لفرض أفكارنا ومواضيع النقاش التي نود طرحها. كما نحتاج إلى قيادات فاعلة تحرّك ورشات عمل. فهل نملك ذلك؟».
لكن هذا لا يعني أن قضايا العرب والمسلمين كانت غائبة عن جدول أعمال المنتدى. فقد عقدت جلسات عدة لمناقشة «الأصولية الدينية في العالم، لا سيما في العالم الإسلامي»، كما خصّ المنتدى النساء اللبنانيات والفلسطينيات والعراقيات بجلسة تحت عنوان «عن الحرب والحصار ولبنان: أصوات نساء من الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا»، أدانت خلالها المتحدثات الولايات المتحدة وإسرائيل بوضوح، وخصوصاً في ما يتعلق بعدوان تموز 2006. لكنها إدانة لم تمنع المتحدثة اللبنانية، إيفلين عقاد (كانت مقربة من أنطوان لحد)، من استنكار «شكل المقاومة العنيفة التي واجه لبنان بها، بعدما اتخذت القرار بشأن ذلك مجموعة (حزب الله) التي تؤمن فقط بوجهة نظرها»، داعية إلى التزام أسلوب اللاعنف الإيجابي.
تطرقت جلسات المنتدى التي بلغت حدّ الأربعين جلسة في اليوم إلى مشاكل النساء في مختلف أنحاء العالم: من مسلمي ماليزيا الممنوعين من الجلوس في «خلوات» حتى لو كانت في الحدائق العامة، إلى الإتجار بالنساء في دول المحيط الهادئ، ووقوع أي حركة أو صوت تصدر عن امرأة في مكان عام في إندونيسيا تحت طائلة قانون الـ«بورنوغرافيا» الذي أقر منذ أشهر عدة هناك، إذا ما اعتبرها أحد الحاضرين حسّية، والاغتصاب ذي المعدلات العالية في أفريقيا، إلى تفسير الحديث والقرآن في المجتمعات والحكومات الإسلامية، إلى حقوق المرأة في المواطنة التي وجدت الجمعيات الإيرانية جمع التواقيع للمطالبة بالسماح للنساء بدخول ملاعب كرة القدم مدخلاً لها، حتى حقوق المثليات الأفريقيات حليقات الرؤوس اللواتي تمشين طوال أيام المنتدى بقمصان كتبت عليها شعارات مثل: «امرأة غاضبة»، «احذر، نساء يتخطين الحدود».
ولم تتطرق هذه الجلسات، الغنية بضمها نساءً من مختلف المشارب، يحملن قضايا متعددة بتعدد انتماءاتهن، إلى القضايا المطروحة بأسلوب أكاديمي وجاف دائماً. فإلى جانب الجلسات النظرية، كان هنالك جلسات ناقشن فيها «الفن كأسلوب مطلبي» حيث رسمن شعاراتهن، وأخرى «تعلمن فيها الرقص كنسويات»، وغيرها قرأن فيها الشعر الجريء، ما عاد وسبّب لصديقنا المترجم بعض الحرج.
ألقت شهرزاد حكاياها بمختلف اللغات. حضرت ببناطيل الجينز أو بتلك الأقمشة الملونة الرائعة والقبعات العالية المزركشة،
ألف حكاية ألقيت خلال أيام أربعة، ألقاها البعض بقوة لأنه منظم، وتلعثم خلالها البعض الآخر، واعداً نفسه، كالجمعيات العربية، بالمزيد من التنظيم للحصول على وقع أقوى عالمياً في المرات المقبلة.


النسويون والرقص