انتشار وسائط الاتصال الجديدة كالإنترنت تسمح للصغار والمراهقين بالدخول إلى مواقع إباحية، والتعرف بطريقة خاطئة على أسرار الحياة الجنسية، وتُضاف هذه الوسائط إلى المجلات الورقية وأفلام البورنو، رغم ذلك لا تزال مسألة التربية الجنسية «تابو» فلا يتوالاه الأهل ولا يُحدّثون أولادهم عنها

جيزيل خلف
تبدو عبارة الثقافة الجنسيّة غريبة على السمع، وقد يتردد المرء مراراً ويتلعثم تكراراً قبل أن يجد ما يجيب به إذا ما سُئل عنها. سامية عبيد (20 عاماً) تلميذة جامعية، تقول: «أعرف القليل عن الموضوع، وقد لملمته من هنا وهناك، عرفت القليل عن الجانب العلمي من المدرسة، أما معظم معلوماتي فعرفتها من الأصدقاء أو بعض القراءات»، وتضيف «لا أذكر أن كلمتني أمي مرّة في الأمر»، لكن سامية تتذكر «جملة من التنبيهات اليومية» التي كانت أمها تكررها على مسمعها دون أن تفهم المراهقة مغزاها «ما تاخدي شيء من حدا، لا تصعدي في المصعد مع شاب...»، تبدي سامية انزعاجاً من سلوك أسرتها حيث الصمت يغلّف البحث عن أي سؤال بشأن الحياة الجنسية، ولكنها تقر في الوقت عينه «سأربي أولادي كما تربيت، أنا مضطرة لذلك لأحميهم من المجتمع».
سارة طالب (21 عاماً) تضحك عندما يصرخ أخوها ابن التسعة عشر عاماً قائلاً «ديري وجك!»، وذلك لمنعها من متابعة مشهد تلفزيوني حميم، ولكنها تتذكر أن إحدى زميلاتها أحضرت إلى المدرسة شريطاً إباحياً عن علاقات مثلية، «جال على صبايا الصف جميعهن، طبعاً أهاليهن لم يعرفوا بالأمر».
للشباب طرق متنوعة للتعرف على أمور الحياة والعلاقات الجنسية، بعضهم يقر بهذه الوسائل، فيما يشعر آخرون بالحرج عند الحديث عنها. أحمد (25 عاماً) يقول «اكتسبت ثقافتي الجنسية من تجاربي الخاصة، ومعاشرة البنات الفلتانة، وأدرك أن غريزة الفرد هي ما يدفعه للبحث عن الجنس من خلال المواقع الإلكترونية أو الأفلام». حسن فقيه يوافق أحمد ويقول إن «للأصدقاء دوراً كبيراً في إعطاء المعلومات الجنسية»، وينفي لجوءه إلى التجارب أو المواقع والأشرطة الإباحية، رافعاً لواء الدين وعبارة «حرام».
وائل مرتضى يقول «يقبرني ربو اللي اخترع الإنترنت، ما في أحلى منه في إعطاء المعلومات والصور والتقنيات الجنسيّة الحديثة».
يغيب الأهل في لبنان عن دورهم بالتوعية الجنسية لأولادهم أو تحقيق التربية الصحيحة في هذا المضمار، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابات تعلميّة وتأزمات نفسيّة وعلاقات جنسيّة فاشلة.
سلمى يحيى (29 عاماً) تزوجت قبل تسعة أعوام، وهي تعترف بأنها كانت جاهلة تماماً ما يعنيه الزواج على الصعيد الجنسي، فصُدمت بالواقع وبأن شريكها بارد، وتقول: «لا نمارس الجنس سوى ربع ساعة بين حين وآخر وينتهي الأمر، إلاّ أن هذا الجانب يؤثر على كل نواحي حياتي، لو كنت أكثر وعياً منذ البداية لاختلف الأمر كثيراً».
أمّا ندى غانم (35 عاماً ) فتشتم «المجتمع الظالم للمرأة، والعادات المقرفة»، وتضيف «الجلوس مع النسوة أو الاستماع لأحاديثهن كان ممنوعاً علينا، أمي اعتقدت أن أحاديث النسوان مش لبنات البيوت»، لكن هذه الممنوعات لم تمنع ندى وصديقاتها من استراق السمع إلى حديث النسوة «كنا نسمع أشياء تجعلنا نفكر طويلاً بمغزاها!» وتكمل ندى، «لقد مضى أربعة عشر عاماً على زواجي ولم أجرؤ على إشعال نور غرفة النوم إلاّ إذا كنت مجبرة، ما ولّد لديّ مشاكل لن أجرؤ على التحدث عنها».
هادي فخر (47 عاماً) لم يخفِ خجله، قال وكأنه يوبخ سائلته «أنا مع مرتي ما بحكي هالحكي، والله عشنا وشفنا بنات آخر زمن» ويتابع حاقداً «زوجتي تعلّم بناتي ما يجب أن يعرفنه فقط، ولادي مربيين وأوادم». لا ريب في أن المدرسة تضطلع بدور هامشي أو شبه معدوم في تحقيق الوعي الجنسي، لا سيّما بعد فشل مبادرة المركز الوطني للبحوث العلمية الذي وضع مناهج دراسية حديثة في تسعينيات القرن الماضي لإدخال مادة التربية الجنسية لتدرّس في المدارس، عندها هبت المرجعيات الدينية رافضة رفع الستار عن «تابو» الجنس، وجعله متاحاً للعامة، فذهبت المخططات التربوية الحديثة أدراج الرياح، وكان لمن وصل المرحلة الثانوية الحظ الوفير في الاطلاع على القليل عن الجهاز التناسلي في جسم الإنسان ووظائفه. ناصر الحلبي أستاذ يدرّس مادة علم الأحياء للمرحلة المتوسطة، ويقول: «نحن لا نستطيع أن نقدم ما لا تحويه المناهج الدراسية، الأهل لا يتقبلون الأمر، أحد الآباء رأى صورة ضفدعين يتزاوجان في كتاب ولده، فانهال توبيخاً على المدرسة والمدرسين العديمي الأخلاق»، ويضيف «كلمة جنس غير أخلاقية في قاموس أسر تلامذتنا. الخوف منها ترسّخ في لاوعيهم، ورغم إدراكي لهذه الحقيقة، أحاول قدر المستطاع أن أوصل بعض المعلومات العلمية والجنسية لتلاميذي بطريقة أو بأخرى».. أما أمل كرم وهي مدرّسة للمرحلة الثانوية فتقول «التلاميذ يخجلون أثناء شرح درس يتناول المحور الجنسي، وذلك رغم أن ما أقدمه أمور علمية، وأنا لا أعمد إلى تقديم المزيد، فلو وُجدت العبرة من إدخال مادة التربية الجنسية إلى المدارس لأُدخلت».
على أي حال كلام أستاذة علم الأحياء يتناقض مع القصص التي يرويها مراهقون عن «أفلام البورنو بعظمة أداء أبطالها»، وهي متوافرة حتى على «البسطات».


هل تعلم؟

يستطيع الأهل أن يحفروا في عقول أبنائهم أفكارهم وآراءهم المتوارثة، ويجعلوا الكبت أحد عناوين الحياة الجنسية.
ولأننا مجتمع اعتاد على السخرية كوسيلة لتقبل ثغرات الواقع، تستحضر كارول مهنا نكتة وتقول: «ولد سأل أهله من أين أتيت أنا؟ بابا كيف بيجيبوا ولاد؟ فيجيب الوالد، أنت جيت من السكر، حطينا أنا وإمك سكر تحت الوسادة وأتيت أنت. يُثار الطفل وتلمع في رأسه فكرة، ثم يضع القليل من حبات السكر تحت الوسادة، وبعد مرور يومين رفع الطفل الوسادة ليجد كمية كبيرة من النمل، ثم نظر إلى نفسه وقال مقارناً «هيدي خلقة وهيدي خلقة!».
أما على أرض الواقع فماذا يروي الأهل؟ فدى ياسر تقول «أمي أجابتني بأني جئت من الملفوفة، ولكنني لم أجب أولادي بالمثل، لقد قلت لطفلي ابن الأعوام الخمسة إنه وُلد لأنني أحب والده كثيراً وهو يبادلني الحب». أمّا رامية فتتحدث عن علاقة ولدها الوطيدة ببابا نويل، فهي أخبرت طفلها أنه جاء كهدية منه في إحدى ليالي الميلاد. قد يصدق الأطفال أقاصيص الأهل، ولكن هذه الأكاذيب تسبب أحياناً قلقاً للأطفال لا يدرك الأهل معناه، فنور ابنة الأعوام الستة تخاف مما يُسمى «السرفيس»، وذلك بعدما أخبرتها والدتها أنها «أتت بالسرفيس» وخوف الصغيرة نابع من فكرة «أن السرفيس ممكن أن يأخذها كما أتى بها».
تتنوع الأفكار التي يختلقها الأهل مخافة الغوص في عالم لم يعرفوا هم أنفسهم مكنوناته العميقة بعد، فتبقى الحياة المعلم الأكبر إذا تمنّع المعلمون عن أداء واجبهم التنويري والتربوي، إنما الخوف من دروس الحياة كبير، وخاصة عندما يحين وقت الامتحان في ما بعد...