مرّت سنتان ونصف سنة تقريباً على عدوان تموز، وأهالي القليلة لم يعودوا إلى منازلهم بعد. وعود بإعمار 254 منزلاً لا تلبث أن تضيع في دهاليز تشتّت المسؤولية بين دولة مانحة ومؤسسات رسمية وبيروقراطية وقوانين تستثني عقارات معينة. ورغم أن الجولات الأخيرة تمخّضت عن صيغة نهائية لإعادة إعمار البلدة، إلا أن مصير بعض العقارات المدمّرة، إضافة إلى الدفعة الثانية من التعويضات ما زال غامضاً
القليلة ــ آمال خليل
ها هو الشتاء الثالث بعد العدوان يحلّ على بلدة القليلة، وكل الوسائل التي لجأ إليها «مشتّتو» القرية الواقعة في قضاء صور لإعادة بناء بيوتهم لم تنفع. ناشدوا سوريا ومجلس الجنوب، وقصدوا المسؤولين المعتبَرين «عظام الرقبة»، وصولاً إلى قطعهم الطريق الدولية بين صور والناقورة احتجاجاً. لكن كل ذلك لم يحقق أيّاً من الوعود الكثيرة. آخر أفكارهم للحل كان الاستنجاد بالقوى السياسية غير المحسوبة على المنطقة على قاعدة «آخر الدواء الكيّ».
سئم أهالي القليلة من سرد «حكاية إبريق الزيت» التي رويت على مسامعهم عشرات المرات منذ انتهاء العدوان، والمتعلقة بالبدء في إعادة إعمار 254 بيتاً من بيوتهم التي دمّرت في تموز 2006. إعمار تأخّر لأكثر من سنتين، ما دفع بأحد المتضرّرين إلى رفع لافتة في البلدة تقول: «يا حامل الأمانة كفانا ذل وإهانة ويا صاحب الوعد لم يصلني حقي بعد».
يئس الأهالي من العودة إلى منازلهم بعد تكرّر الوعود من دون نتيجة، ما جعلهم لا يأخذون على محمل الجد الحلّ النهائي الذي تم التوصل إليه أخيراً مع سوريا برعاية القوى السّياسية النافذة، إذ ربطه بعضهم بـ«دواعٍ انتخابية».
يختصر رئيس البلدية، حسن أبو خليل، في حديثه، الجولات الأخيرة التي سبقت ما اتُّفق عليه من صيغة نهائية لإعادة إعمار البلدة:
فقد التقى، قبل أكثر من شهر، وفد يتألف من نواب حزب الله وحركة أمل ورئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، برئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان والتعمير السوريين. وقد جاءت الزيارة الرسمية السورية تلبية لمناشدة الأهالي الإسراع في إنجاز إعمار البلدة التي تبنّتها سوريا مباشرة بعد العدوان. تمحورت نتائج اللقاء حول إعادة تأكيد استمرار التمويل السوري لعملية الإعمار التي يديرها وينفّذها ميدانيّاً مجلس الجنوب الذي يكلّف المقاولين. وبعد عرض خطة الإعمار على المجلس البلدي والأهالي، استؤنف الإعمار تدريجاً في 113 وحدة سكنية كان أصحابها قد أبدوا موافقتهم على الإعمار السوري.
رقم يرجّح، أبو خليل، قابليته للازدياد «لأن معظم من كان يطالب سابقاً باستبدال الإعمار ببدل مالي ليعمّر بيته بنفسه، عدل عن قراره. فقيمة التعويض الذي حدّدته الحكومة قبل سنتين بـ60 مليون ليرة لم يعد يكفي الآن لإنجاز وحدة سكنية».
وكانت الحكومة السورية قد أبدت استعدادها لإعادة إعمار 150 وحدة من أصل العدد الإجمالي للبيوت المهدّمة، بينما حدّدت الهبة مساحة البيوت التي سيعاد إعمارها بـ 130 متراً مربعاً مهما بلغت مساحتها الأصلية قبل الهدم. إلا أن الأهالي اعترضوا على ذلك، وأفضى اعتراضهم إلى تدخّل القوى النافذة. تدخّل وافق على أثره السوريون على إعادة إعمار جميع الوحدات بمساحاتها السابقة ووفق الخريطة التي يعدها صاحب البيت، على أن ترفع الخريطة إلى مهندسي مجلس الجنوب الذين يرسلونها إلى وزارة التعمير السورية للموافقة عليها وإنجاز حساباتها لإدخالها في الميزانية المقررة.
تأخر خطوة الإعمار الأولى دفع بأصحاب 53 وحدة سكنية إلى إعادة إعمارها من جيوبهم الخاصة بعدما هالهم التّشتت الذي أصابهم في بلدتهم.
من بينهم الحاج شبلي شبلي، الذي يبلغ الثمانين من عمره، والذي فضّل أن يعيد بناء جزء منزله بالدين، على أن «أعيش مع زوجتي العجوز في تشتّت بين بيوت الأقارب، أو أضطرّ لاستئجار منزل خارج البلدة».
تصرّف فردي «استحققنا العقاب عليه أنا ومن انتهج نهجي» كما يشرح شبلي، إذ رأت لجنة الهبة السورية أنها «غير معنيّة بالتّعويض علينا مالياً بعدما بادرنا إلى إعادة بناء منازلنا بأنفسنا»، وهو أمر تلقى المعنيون وعداً بمعالجته كما يشرح أبو خليل قائلاً: «وعدتنا اللجنة السورية خلال الاجتماع الأخير بالبحث في إمكان تسوية أوضاع من استبق الإعمار وعمّر جزءاً من منزله على حسابه، بردّ ما تكلّفه على البناء. على أن يظلّ التعويض المالي المنتظر مرهوناً ببتّه في موازنة عام 2009». ومن المقرر خلال الأسبوع الجاري أن «يبت رئيس مجلس الجنوب مع السوريين آلية التعويض وتوقيتها» بحسب أبو خليل.
لكن، ماذا عن منازل المشاعات؟
فموسم الحلول لن يشمل أصحاب البيوت المهدمة في مشاعات القليلة. فالبلدة تضم 39 بيتاً مهدماً في الأملاك العامة و28 أخرى في الأملاك البلدية.
وقد منعت وزارة الداخلية في قرار أصدرته عام 2006 إعادة إعمار بيوت المشاعات، أتبعته بقرار آخر يمنع رؤساء البلديات من إعطاء التصاريح للبناء ضمن أملاكها، بينما يسمح بترميم الوحدات المتضررة جزئياً، وبتعويض أصحاب الوحدات المهدمة بمبلغ 60 مليون ليرة. إلا أن رئيس الهيئة العليا للإغاثة، اللواء يحيى رعد، قد حسم الأمر أمام وفد من الأهالي زاره قبل شهر وسحب يد الدولة من القليلة «لأنها متبناة من سوريا ولا ملف لها لدينا». أما سوريا، فقد رأت أنها غير معنية بإعمار بيوت المشاعات في ظل القرار الصادر، ولا بالتعويض المالي على أصحابها. وكانت «الأخبار» (راجع العدد 684) قد حاولت الاستفسار عن مصير الدفعة الثانية من تعويضات تموز التي ينتظرها أهالي القليلة، لدى الهيئة العليا للإغاثة، إلا أنها لم تحصل على جواب. في المقابل، نقل رئيس البلدية، أبو خليل، عن مسؤولين في «شركة خطيب وعلمي» المكلفة من الدولة إعادة إعمار بعض القرى أن «ملف تعويضات عدوان تموز لقرى الجنوب قد أقفل برمته حالياً، وتحولت أموال الهيئة العليا للإغاثة وجهودها كاملةً إلى متضرري طرابلس والشمال جراء الأحداث الأخيرة».