سناء الخوريولا مرّة ذهبت إلى تغطية دون أن يحدّد لي أحد (أو حتّى كلّ) زملائي الطريق بالتفصيل. مرّة يرسمونها لي على ورقة، مرّة يعلمونني ماذا أقول لسيّارة الأجرة، مرّة يستنفدون كلّ طاقاتهم في «التشبير» ظنّاً منهم أنني بهذه الطريقة الدراميّة قد أستوعب الاتجاهات. عبث. ولا مرّة فهمت من أوّل مرّة.
ولا مرّة كنت ذاهبة إلى شارع إلّا نسيت اسمه، وإن كنت أقصد بناية أنسى اسم البناية، حتّى إنّني نسيت عدّة مرّات الخرائط التي يتفنّن كلّ دليل سياحي برسمها لي ظنّاً منه أنّه يساعد إنسانة «فتحة».
ما هذا المرض؟ خلل في تحديد الاتجاهات؟ أظن أنني بحاجة إلى لاقط أركّبه على رأسي وأحمله أينما ذهبت. والله! أن يضحك النّاس منّي، أفضل من أن أضيع.
لا أعرف السير في المدينة.
ولا مرّة عبرت الشارع في اللحظة الصحيحة، لهذا أنجو يوميّاً من الموت تحت دواليب سيّارة، ولا أنجو بالطبع من شتائم السائقين. ربّما لأنني معتادة على طرقات قريتي الخالية، لهذا أمشي، في الأيّام العاديّة، كأنني ذاهبة إلى لقاءٍ غراميّ مستعجل. لا شيء يقف في وجهي، مع أنّني مخلوقة باردة جدّاً. ما هذا المرض؟ فرط في النشاط؟ خطأ في تحديد الشخصيّة؟
ولا مرّة كنت هائمة على وجهي في الشوارع التي لا تنتهي إلّا صدمت أحد المشاة. ولا مرّة كنت أسير بخطىً واثقة إلّا تعثرت حتّى إننّي وقعت أكثر من مرّة. ما هذا المرض؟ خلل في التوازن؟ مراهقة متأخّرة؟
ولا مرّة أردت أن أفتح حديثاً أو أسأل سؤالاً إلاّ كان الوقت غير مناسب والحديث في غير مكانه والسؤال غلطاً. ما هذا المرض؟
ولا مرّة عَنَّ الحبّ على بالي إلاّ «سدّت» نفسي. عبث. ما هذا المرض؟
يبدو أنّ طقس هذه العاصمة لم يناسبني.