محمد مكيتكمن الفوارق بين الناس في القدرة على توظيف الإدراك لديهم لاستغلال الوقت واستثماره لمصلحة خيرهم وفلاحهم، فهم يعلمون بأنهم يتسابقون مع الزمن وبأن للوقت قيمة ثمينة.
إلا أن علمهم هذا لم يصل حد الإدراك ليتحول إلى إيمان وممارسة دونما تردد أو تباطؤ، إلا القليل منهم الذين أدركوا أن العمر يذوب كالثلج كلما أشرقت الشمس أكثر، فتهافتوا يعملون بلا توقف وبانتظام ثم أبدعوا وأفادوا أنفسهم ومَن حولهم، وعندما رحلوا عن الدنيا سطع نورهم بعد رحيلهم فعادوا ليكونوا في كل مكان وزمان رغم انقطاع المكان والزمان لديهم.
هنا يكمن سر الاختلاف بين الناس، وهنا يبرر النجاح والفشل. فإدراك قيمة الوقت وسرعة ذوبانه تضعك في سباق مع الثواني. وكلما أدركت أهمية الوقت وضرورة تنظيمه، كلما ازددت إنتاجاً ونجاحاً، وكم من مثال دوّنه التاريخ فكان عبرة وقدوة، يستحق الوقوف عنده والتأمل في ما أنجزه ليكون شاهداً على أن استغلال الوقت بسلامة وحسن تدبير هو السبب الأول للنجاح والإبداع، وكلما ازداد المرء تنظيماً لوقته كلما اقترب من تحصيل السلام الداخلي ليدخل مرحلة القناعة ويصل في نهاية المطاف إلى مراتب الاطمئنان والتسليم.
فالشخص القادر على تحديد فترة استراحته بالدقائق، والقادر على امتلاك الجرأة الكافية لرد أية مغريات تحول بينه وبين عمله، والذي ليس لكلمة الفراغ من مكان في قاموسه، هو الذي تحرّر من طول الأمل وخاف أن يدركه الموت دون أثر وبصمة، فسارع جاهداً منكبّاً على العلم والعمل، وبالعلم والعمل حصد القيم التي أبعدته عن الغرق في الملذات الزائلة، فازداد قناعة ودنا أكثر فأكثر من الاطمئنان والتسليم. ولا استحالة في الوصول إلى هذه الدرجات، فكل ما نحتاج إليه لا يزيد عن الإدراك في بادئ الأمر. فبعد الإدراك السليم المتحوّل إلى إيمان عملي، ومع الترويض الدائم للذات تتذلّل الصعاب ويزداد الإنتاج ويكتسب الإنسان إنسانيته ويحقق ما خلق لأجله.