ليال حداد
تمرّ الصور سريعاً على الشاشة. طفل يبكي. عجوز مطروح في الفراش. امرأة تركض في الشارع، نحو وجهة مجهولة بحثاً عن دواءٍ، عن خبزٍ. هرباً من المأساة... أهلاً بك إلى غزة.
لا كلام هنا عن الغطرسة (اللاإنسانية، الإرهاب... سمِّها ما شئت) الإسرائيلية، ولا عن تواطؤ الأنظمة العربية وعمالتها. مصر ونظامها تحديداً. الكلام عن غزة، غزة وحدها، بناسها، بشوارعها وموتها.
في غزة يموت الأطفال، لا يكبرون، وإن كبروا يتحولون إلى شهداء. شهداء القناعة أو الصدفة لا فرق.
نكتب عن غزة ونحن نشرب قهوتنا السويسرية. تلك الداعمة للصهيونية. نكتب في الحانات والمقاهي، قد نحزن، نتأثر، نغضب، لنعود وننسى.
لا تحتاج غزة إلى بياناتنا الاستنكارية ولا إلى مقالاتنا المتعاطفة. الغزاويون أساساً نسوا أن العرب موجودون. هم لا يلومون الحكام، ولا يعلمون إن كان للشعوب العربية وجود بعد عام 1967. ربما سمعوا عن لبنانيين... عن بعض اللبنانيين، في ذاك التموز.
لا أعرف غزة. لم أرَ منها إلا الأزقة الفقيرة، والأطفال الحفاة، وبعض الملتحين. لا أحبّ هؤلاء. تخيفني وجوههم. ولكن أجدني أدافع عنهم حالما يبرّر أحدهم الحصار متذرّعاً بإطلاق الصواريخ. الصواريخ يا أصدقاء، تدعى مقاومة في غزة. بغض النظر عن الموقف من «حماس» ومن دورها في الصراع الفلسطيني الداخلي، صواريخها حق مشروع، مشروع دولياً وإنسانياً.
غداً حين تتحرّر فلسطين، سيقول أهل غزة الكثير. لن يتحدثوا عن بطولاتهم، ولا عن مقاومتهم، سيتحدثون عن تلك الفترة حين اجتمع العرب بزعمائهم ووزرائهم لمناقشة مشروع للمحافظة على السلاحف المائية.
تمرّ الصور سريعاً على الشاشة. طفل يبكي. عجوز مطروح في الفراش. امرأة تركض في الشارع، نحو وجهة مجهولة بحثاً عن دواءٍ، عن خبزٍ. هرباً من المأساة... أهلاً بك إلى غزة.