يمثّل الطعام أحد أهم عناصر الاحتفال عالمياً، مهما اختلف نوع المناسبة. فهو يوحّد المجموعة ويمنحها هويتها الخاصة. ولكن، ليكون الاحتفال عامّاً، على الطعام أن يكون متوافراً للجميع، ومنتجاً بطريقة عادلة
إعداد: رنا حايك
تستخدم الحضارات المختلفة الطعام للاحتفاء بمناسبات عديدة، كالميلاد المجيد ورأس السنة وأعياد الميلاد والأعراس. الطعام هو أيضاً جزء من الطقوس الروحية والالتزامات الدينية في ديانات عديدة، بما فيها المسيحية، اليهودية، الإسلام، الهندوسية والبوذية. فالدور الذي يؤدّيه الغذاء في الممارسات الثقافية والطقوس الدينية هو دور مركّب ومتفاوت، بحسب الأفراد والمجموعات.
بعض الدّيانات تمنع أتباعها من تناول مأكولات معيّنة، كلحم الخنزير في الديانتين الإسلامية واليهودية. بعضها تدرج ضمن طقوسها أساليب محددة للصيام، باعتباره «صلاة الجسد»، وهو أسلوب يساعد على تطوير الانضباط الروحي، من خلال تجاوز الصائم متطلّبات العالم المادي وتركيزه على الصلاة والتّرفع الروحي. كما باعتباره وسيلة لاحترام «الجياع» حول العالم والتعاطف معهم من خلال مشاركتهم أحاسيس الجوع وسوء التغذية. في الديانة المسيحية، «يعمّد» الفرد بتناوله «جسد المسيح ودمه» ممثّلين بالخبز والنبيذ.
أما في الديانة الهندوسية، فــ»الطعام هو الله»، بحسب التعبير الشهير. فالهندوسيون يعتقدون أن الطعام هو جزء من «البراهمان»، وليس مجرّد رمز له. لذلك يعزف ممارسو الديانة الهندوسية عن تناول لحوم الحيوانات، كما يتجنّبون الأطعمة التي ساهم تحضيرها في التّسبب بالألم للحيوانات خلال تصنيعها. فقتل الحيوانات هو أحد تلك الأعمال التي تندرج ضمن سياق «الكارما السيئة». والكارما هي مجموع الأعمال الجيدة والسيئة التي تراكمها الروح. فحين نستهلك لحوم الحيوانات، نستهلك معها عبء القتل.
تستعير بعض الاحتفالات كناياتها من علاقتها بالطعام. فعيد الفطر مثلاً، يتّخذ اسمه من الإفطار، أي كسر الصيام بعد رمضان، والاحتفاء بموائد غنية ومتنوعة مع الأسرة والأصدقاء. غالباً ما تتضمن هذه الموائد المميزة أطباقاً تُعدّ من اللحوم، كالمنسف أو الكبسة، أو حتى السمك بحسب الموسم، لأنه نوع لا يحبّذ الصائمون تناوله خلال صيامهم في رمضان. العيد هو فرصة أيضاً للانغماس في تناول المعمول، الحلوى «الرسمية» لعيد الفطر.
الميلاد المجيد هو أيضاً أحد تلك الأعياد التي تركّز جداً على الطعام.
تختلف التقاليد من بلد لآخر، لكن معظمها مستمدّ من الثقافة البريطانية، كقالب الحلوى الإنكليزي الذي يُعدّ من الفاكهة. ألمانيا، بدورها، منحت مائدة الميلاد الخبز المعدّ من الزنجبيل الذي يشتهر الألمان في إعداده. أما في فرنسا، فيمثّل المحار والحبش ركيزتي مائدة عشاء الميلاد.
والحبش المحمّر هو رمز «عيد الشكر»، الذي يحتفي خلاله الأميركيون بمؤسّسي الولايات المتحدة، بينما يجسّد بالنسبة لآخرين ذكرى المجازر المنهجية التي تعرّض لها السكان الأصليون في القارة الأميركية على أيدي الوافدين الجدد، ما يدعو الكثير من الأميركيين إلى رفض الاحتفاء به.
أصبحت قوالب الحلوى عادة غذائية متّبعة في جميع الأعراس في لبنان ومعظم الدّول المعولمة. إلا أن قلة قليلة من الناس يعرفون أن تسمية «شهر العسل» ترتبط بالغذاء. فخلال حقبة القرون الوسطى، كان والد العروس في بريطانيا يهدي العريس خلال حفلة العرس كمية من مشروب كحولي مصنوع من العسل تكفي لمدة شهر.
أما في الصين، فمن الضروري جداً أن تتضمن لائحة الطعام المقدّم خلال حفلة العرس الكركند والدجاج، لأن الكركند يمثّل التنين والدجاج العنقاء. بذلك، تحقق الوجبة المقدمة الانسجام الذي يراعيه الصينيون دائماً بين قوى «الين واليانغ» والمأمول تحقيقه بين الأسرتين المرتبطتين حديثاً.
بدأت عادة الاحتفال بأعياد الميلاد في أوروبا منذ القرون الوسطى، حين كان الأوروبيون يعتقدون أن الناس يصبحون عرضةً للأرواح الشريرة خلال أعياد ميلادهم: كان من شأن الاحتفالات التي يقوم بها أعضاء أسرة المحتفل بعيده وأصدقاؤه، والهدايا التي يقدمونها له، أن تطرد تلك الأرواح.
أما قوالب الحلوى المزيّنة، فهي غذاء تقليدي في أعياد الميلاد. إلا أن الطفل الذي يحتفل بعيد ميلاده في غانا يحصل على فطور من العجة المقلية المعدّة من البطاطا الحلوة والبيض، بينما تمثّل وجبة «موز الجنة»، وهو نوع من أنواع الموز التي تُقلى، الوجبة التقليدية لأعياد ميلاد الغانيّين.
الطعام هو أحد أهم عناصر الاحتفال في جميع حضارات العالم. ولكن، ليكون الاحتفال عامّاً، على الطعام أن يكون متوافراً للجميع، صالحاً ونظيفاً. وعلى إنتاجه خاصةً أن يكون عادلاً بالنسبة للجميع. فكيف يمكننا الاستمتاع بطعام أُنتج من خلال تدمير البيئة واستغلال الفقراء؟