رامي زريق
يطلق اسم «الثورة الخضراء» على الطفرة التي شهدتها الزراعة خلال ستينيات القرن الماضي، والتي أدّت إلى مضاعفة إنتاجية الزراعات الأساسية. طوّر المسلمون الزراعة في الأندلس وأدخلوا إليها الرّي والتّسميد العضوي والدّورات الزراعية، فيما لم تتغيّر في الغرب منذ ظهورها حتى القرن 18. أما في القرن التاسع عشر، فقد أدخلت الثورة الصناعية المكننة على الزراعة، ما أدى إلى نمو ملحوظ في الإنتاجية. لكن التزايد السكاني الذي شهده العالم (وخصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة)، أدى إلى التّخوف من وقوع نقص في الأغذية وحدوث مجاعات، فدقّ «نادي روما»، المؤلف من ممثلين عن الدول العظمى، ناقوس الخطر، ودفع الحكومات إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أزمة توقّع النادي قدومها. إثر ذلك، كثّفت الدول الصناعية جهودها لتحسين الزراعة من خلال الأبحاث والمكننة، وطرحت رزمة من الحلول حفّزت على استخدام أصناف المحاصيل المهجّنة ذات الإنتاجية العالية، وتكثيف الري مع الاستعمال المفرط للأسمدة المصنعة وللمبيدات. تبنّت بلدان عديدة هذه الحلول وطبّقتها، فازدادت إنتاجية الأغذية أضعافاً، وتحوّلت بلدان مثل الهند من مستوردة للأغذية إلى مصدّرة لها، وأبعدت المجاعات الدورية عنها وعن العديد من البلدان الآسيوية. إلا أن الثورة الخضراء حملت معها سلبيّات يرى العديد من الخبراء أنها تفوق إيجابياتها. فالاتّكال على المدخلات الزراعية من بذور مهجنة وأسمدة ومبيدات ومكننة أدى إلى وضع القطاع الزراعي بأكمله في أيدي الشركات العملاقة التي تنتج تلك المواد وتبيعها. كما أن نمو الزراعة الصناعية أدى إلى تفوّق أصحاب الأراضي الواسعة على صغار المزارعين، فاضطر هؤلاء إلى بيع أراضيهم أو تركها والنزوح إلى المدينة، حيث نمت أحزمة البؤس. ومن ناحية أخرى، فقد أدى الاستعمال الكثيف للأسمدة والمبيدات، والاتكال شبه التام على الري، إلى تدمير البيئة وتلوّثها وإفقار الأرض من خصوبتها. كما أن إنتاج الغذاء قد أصبح مرتبطاً بالطاقة، وخاصة بالنفط، وأصبحت أسعار الغذاء العالمية تقّر في بورصات النفط والسلع العالمية، في الولايات المتحدة وأوروبا بعيداً عن مكان إنتاجها.
شهد العالم في الأشهر الماضية ارتفاعاً حاداً في أسعار الغذاء، ما دفع جهات عديدة، وخاصة في البلدان الغنية، إلى المناداة بثورة خضراء جديدة، ترتكز على الكائنات المعدلة وراثياً لحلّ الأزمة. في المقابل، يتفّق عدد كبير من العلماء والناشطين على مواجهة هذه الثورة التي لا يرون فيها إلا محاولة جديدة من الأغنياء للسيطرة على الغذاء والاقتصاد العالمي وللتحكم بمصائر الشعوب.