عمر نشّابةأن يكون رجل الأمن حازماً في تطبيق القانون ومحترماً لحقوق الناس في الوقت نفسه أمر يصعب على بعض ضباط قوى الأمن الداخلي استيعابه، والمسؤولين منهم عن التحقيقات الجنائية خصوصاً. ولا يساعد ضغط بعض النافذين على المحقق للإسراع في كشف مرتكبي الجريمة، في الحفاظ على التوازن المطلوب. ينادي الضابط رتيب التحقيق ويستمع منه إلى تحليلاته بشأن أحد الموقوفين في قضية سرقة: «تبين لنا انو دخل الشقة من البلكون، ضرب البنت واغتصبها، سرق المجوهرات وزمط من شبّاك المطبخ». يتابع الضابط مطالعة أوراق التحقيق المكدسة على مكتبه ثمّ يسأل الرتيب من دون أن ينظر إليه: «وين اعترافاته؟». «عم نشتغل على الموضوع سيدنا»، يجيب الرتيب بثقة وثبات.
يهزّ الضابط برأسه فيخرج الرتيب من المكتب ويعود إلى نظارة المخفر. يجرّ الشاب من شعره إلى غرفة التحقيق حيث أُزيل الدولاب الذي كان يستخدم لتكبيل الموقوف تمهيداً لضربه، كذلك أمر الضابط بإخفاء العصي التي يعلّق عليها المشتبه فيه لـ«يرتاح» المحقق في إيلام جسده. كذلك نُقلت من الغرفة إكسسوارات البالانكو والفرّوج، «فاليوم هناك وزير داخلية يحترم حقوق الإنسان، وما بدّي حدا يعلّم علينا! الترقيات قريبة وما بتحمّل الغلط! مفهوم؟!».
مسكين رتيب التحقيق... تورّمت يداه من مشقات مهنته... ومن اهتمام الضابط بإرضاء الوزير. كلّما صفع الرتيب وجه الموقوف تأكّد من أنه مذنب لأنه كان يرتجف من الخوف... فهذا المجرم يخاف هيبة الدولة! أكيد! ويبكي... يبكي على نفسه طبعاً، نادماًً على الجرائم التي ارتكبها.
لا شيء يوقف الضرب إلا الاعتراف. فيعترف أخيراً. يمسك به الرتيب ويبتسم. يلاحظ أنه لم يعد يرتجف. يعطيه القلم والمحضر الذي كان قد حضّره قبل زيارته للضابط ليوقعه. فيفعل.
يغادر الرتيب غرفة التحقيق ويقابل سيدة في العقد السادس تعمل في التنظيفات «زبطيلي وضعو، بدي ياه يرجع متل الحصان بيومين».
تدخل السيدة المطبخ وتحضر دلو ماء وقطع ثلج ملفوفة برقعة قماش، بينما يدخل الرتيب مكتب الضابط وبكلّ فخر يقول: «مشي الحال سيدنا»... «مممم، لنخابر المدعي العام».